دورتموند– 6 سبتمبر 2025 | عرب 24
في حوار مطوّل على برنامج The Diary of a CEO مع الإعلامي ستيفن بارتليت، تحدث د. رومان يامبولسكي، أستاذ علوم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في جامعة لويزفيل، عن واحدة من أخطر القضايا في عصرنا: صعود الذكاء الاصطناعي الفائق. يامبولسكي، الذي كرّس أكثر من 15 عامًا لدراسة “سلامة الذكاء الاصطناعي”، لم يتردد في التحذير قائلاً:
“مهمتي أن أضمن أن الذكاء الفائق الذي نقوم الآن ببنائه لن يقضي علينا جميعًا.”
هذا التصريح لم يكن مجرد جملة افتتاحية؛ بل كان الخيط الذي نسج منه يامبولسكي رؤيته الصادمة حول مستقبل التكنولوجيا والإنسانية.
مهمة حياة: سلامة الذكاء الاصطناعي
بدأ يامبولسكي رحلته الأكاديمية ببحث في “الروبوتات والبرامج الوكيلية”، قبل أن يتحول اهتمامه منذ أكثر من 15 عامًا إلى سؤال وجودي: كيف يمكن السيطرة على أنظمة قد تتجاوز الإنسان في الذكاء؟ وهو يقول:
“في البداية كنت مقتنعًا أننا نستطيع بناء أنظمة آمنة، لكن مع مرور الوقت اكتشفت أن كل إجراءات الأمان ليست سوى ترقيع مؤقت، يمكن التحايل عليها بسهولة.”
لقد كان من أوائل من صاغ مصطلح “AI Safety” أو “سلامة الذكاء الاصطناعي”، واليوم يُعتبر من أبرز الأصوات التحذيرية في هذا المجال.
الذكاء الفائق: كائنات فضائية قادمة
يرى يامبولسكي أن العالم يقترب بسرعة من بناء ذكاء يفوق القدرات البشرية. بفضل تضاعف قوة الحوسبة وتراكم البيانات، فإن ما كان يبدو حلمًا خياليًا بات وشيكًا. يقدر أن ذلك قد يحدث في غضون عامين أو ثلاثة فقط.
يستخدم تشبيهًا صادمًا:
“تخيل أن العلماء أعلنوا أن كائنات فضائية ستصل إلى الأرض بعد ثلاث سنوات. سيصبح العالم كله في حالة طوارئ. لكن مع الذكاء الاصطناعي الفائق، الذي قد يكون خطره أكبر، لا يكاد أحد يشعر بالخطر.”
الفجوة بين التطوير والسلامة
واحدة من أبرز النقاط التي شدد عليها يامبولسكي هي عدم التوازن بين سرعة تطوير الذكاء الاصطناعي ووتيرة الأبحاث في مجال السلامة. يوضح:
“الذكاء الاصطناعي يتطور بشكل أسي (exponential)، بينما السلامة تتقدم بشكل خطي (linear). الفجوة بين الاثنين تتسع باستمرار.”
ويضرب مثالًا بحيوانه الأليف، كلب فرنسي صغير، قائلاً:
“كلبي يفهم عندما أغادر المنزل، لكنه لا يفهم لماذا أو إلى أين أذهب. هذه هي فجوة الفهم بيننا وبين الذكاء الاصطناعي الفائق.”
مسؤولية الشركات: القانون مقابل الأخلاق
عندما سئل عن مسؤولية شركات التكنولوجيا الكبرى، أوضح يامبولسكي أن التزامها القانوني ينحصر في تعظيم الأرباح للمساهمين. أما الواجب الأخلاقي تجاه البشرية فغائب غالبًا.
يقول بانتقاد واضح:
“الشركات تقول عادة: سنتعامل مع المشكلة حين تظهر. أو يقولون: سنستخدم ذكاءً اصطناعيًا للتحكم في ذكاء أقوى. بالنسبة لي، هذه إجابة خطيرة، لأنها مثل إطفاء النار بالنار.”
مقامرة بمصير البشرية
حول احتمالية الفشل أو النجاح، كان موقفه واضحًا:
“الفضاء الممكن لسلوك الذكاء الاصطناعي هائل، لكن الجزء الذي يتوافق مع مصالح الإنسان صغير جدًا. الرهان إذن أننا نخاطر بمصير البشرية كلها من أجل احتمال ضئيل أن تنجو.”
الحدود البيولوجية للإنسان
ناقش الحوار أيضًا فكرة تعزيز القدرات البشرية عبر التكنولوجيا مثل “واجهات الدماغ–الحاسوب” (Brain–Machine Interfaces) أو الهندسة الوراثية. لكن يامبولسكي كان متشائمًا:
“حتى لو جعلناك أذكى قليلًا عبر التكنولوجيا أو الجينات، ستبقى بيولوجيًا أبطأ من أي نظام اصطناعي. الفجوة ستظل قائمة.”
أما فكرة “تحميل الوعي” إلى بيئة رقمية، فرفضها قائلًا:
“إذا استبدلتني بنسخة رقمية، فأنا لم أعد موجودًا. ما يهمني هو استمراري أنا، لا نسخة أخرى مني.”
الاحتجاجات والمجتمع: صوت الناس
يرى يامبولسكي أن الحركات الشعبية مثل “Pause AI” يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في إبطاء السباق.
“إذا تحولت هذه المبادرات إلى إرادة جماهيرية واسعة، يمكن أن تؤثر فعلًا. أنا أدعم كل احتجاج سلمي وقانوني.”
مستقبل العمل: من يبقى ومن يختفي
عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، حذر من أن معظم الوظائف كما نعرفها اليوم ستختفي. لكنه أكد أن بعض الوظائف ستبقى، إما لاعتبارات قانونية أو أخلاقية أو لخصوصيتها الإنسانية.
“لقد شهدنا سابقًا محاولات لتقليل قيمة العمل البشري عبر الأجور المنخفضة. الآن، مع الذكاء الاصطناعي، قد تصبح الحاجة للإنسان أقل بكثير.”
نظرية المحاكاة: هل نعيش في وهم؟
من أكثر أفكاره إثارة للجدل حديثه عن “نظرية المحاكاة”. يامبولسكي يرى أن احتمال أننا نعيش في محاكاة رقمية مرتفع جدًا:
“إذا كان بإمكاني تشغيل مليارات المحاكيات الرخيصة، فالاحتمال الأكبر أننا بالفعل نعيش داخل إحداها.”
ويضيف:
“الدين، في رأيي، كان شكلًا مبكرًا لفكرة المحاكاة. نظام ذكي يتحكم بنا من الخارج.”
الخلود وإطالة العمر
بعيدًا عن المخاطر، يرى يامبولسكي أن هناك جانبًا آخر للذكاء الاصطناعي يمكن أن يخدم البشرية: إطالة العمر.
“هذه القضية تأتي مباشرة بعد سلامة الذكاء الاصطناعي. لدينا حلقة جينية للتجديد يمكن إعادة تشغيلها. الذكاء الاصطناعي سيساعدنا في ذلك.”
وعندما سأله بارتليت إن كان يريد أن يعيش للأبد، أجاب ببساطة:
“بالطبع. من يرغب في الموت إذا لم يكن مضطرًا؟ الخلود يعني فرصًا لا نهائية.”
البيتكوين: الندرة الرقمية الوحيدة
تحدث يامبولسكي أيضًا عن البيتكوين، واصفًا إياه بالظاهرة الفريدة:
“كل شيء يمكن إنتاجه إذا كان السعر مناسبًا… باستثناء البيتكوين. إنه الأصل الرقمي الوحيد النادر حقًا.”
البعد الإنساني: قيمة الولاء
في ختام الحوار، بعيدًا عن الذكاء الاصطناعي، سُئل عن الصفة الأهم التي يبحث عنها في الناس. أجاب ببساطة:
“الولاء. أن لا تخون، حتى عندما يكون الإغراء كبيرًا.”
خلاصة
الحوار مع د. رومان يامبولسكي كان بمثابة تحذير علني من سباق قد يغير مصير البشرية. الذكاء الاصطناعي يَعِد بإنجازات مذهلة، لكنه في الوقت نفسه يحمل خطرًا وجوديًا غير مسبوق. وبين التفاؤل بالخلود والخوف من الفناء، تبقى رسالته واضحة: علينا أن نتصرف الآن، قبل أن يصبح الأوان قد فات.