تصاعد الأحداث وتحولها إلى أزمة ذات أبعاد إقليمية
شهدت مدينة جرمانا، المحاذية للعاصمة السورية دمشق، تصعيدًا غير مسبوق بدأ بخلافات محلية وتحول إلى أزمة ذات أبعاد إقليمية، وسط تقارير عن صراع داخلي بين الدروز، وتدخلات إسرائيلية وأمريكية، وحديث عن مخطط تمرد مسلح بدعم من واشنطن وتل أبيب.
ووفقًا لمصادر محلية، بدأت التوترات في 28 فبراير بعد خلاف محلي تصاعد إلى اشتباكات مسلحة، دفعت وجهاء ومشايخ دروز في جرمانا والسويداء إلى التدخل لاحتواء الأزمة، خاصة بعد التصريحات الإسرائيلية المتكررة حول نيتها “حماية الدروز” في سوريا.
إسرائيل ودورها في الصراع الدائر
تشير تقارير استخباراتية إلى أن إسرائيل تنظر إلى الحكومة الانتقالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع على أنها تهديد طويل الأمد، وتسعى لمنع تشكيل جيش قد يكون معاديًا لها في المستقبل. في هذا السياق، تسعى تل أبيب لتعزيز نفوذها بين الطائفة الدرزية داخل سوريا، عبر دعم شخصيات سياسية ودينية داخل البلاد.
ووفقًا لتقارير مسربة، أجرى مسؤولون دروز في سوريا لقاءات سرية مع مسؤولين أمريكيين، تضمنت مناقشة خطة لتمرد مسلح ضد الحكومة السورية الانتقالية، بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية وبعض الفصائل العلوية في الساحل السوري، وبدعم مباشر من إسرائيل.
موقف الزعامات الدرزية بين التأييد والرفض
أثارت هذه التطورات ردود فعل متباينة داخل المجتمع الدرزي، حيث انقسم القادة الدروز بين مؤيد ومعارض لأي تدخل خارجي.
• وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني، حذر من التدخلات الإسرائيلية في الشأن الدرزي السوري، ووصفها بأنها “أخطر من اتفاق 17 أيار”، الذي وقّعته الحكومة اللبنانية مع إسرائيل عام 1983.
• موفق طريف، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل، متهم بمحاولة احتكار التمثيل الدرزي بدعم إسرائيلي، مما زاد من توتر المشهد السياسي.
• ثائر منصور الأطرش، حفيد الزعيم الدرزي الشهير سلطان باشا الأطرش، حذر من “مخططات التفريق” التي تهدف إلى تقسيم سوريا وإضعاف موقف الدروز داخلها.
في المقابل، دافع خلدون الهجري عن اللقاءات مع الأمريكيين، معتبرًا أنها كانت “نقاشًا سياسيًا” وليست اتفاقًا على عمل عسكري ضد الحكومة السورية.
حراك شعبي ورفض للتدخلات الخارجية
على الأرض، بدأ حراك شعبي في السويداء يرفض أي تدخل إسرائيلي في الشؤون الدرزية. وظهرت شعارات مثل “شعب واحد، مصير واحد” في احتجاجات شهدتها مدن سورية جنوبية، تعبيرًا عن رفض تقسيم البلاد وفق أسس طائفية.
كما أكدت مصادر محلية أن الحكومة السورية كانت على علم بالاتصالات بين بعض الشخصيات الدرزية وأطراف خارجية، وسارعت إلى استدعاء الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الديني الأبرز لدروز السويداء، لسؤاله عن طبيعة هذه الاتصالات. في المقابل، نفى الهجري هذه المزاعم، بينما أقر خلدون الهجري بوجود اللقاءات، مما يعكس تباينًا في المواقف داخل القيادة الدرزية في سوريا.
مستقبل الأزمة: إلى أين تتجه الأحداث؟
تعكس الأزمة في جرمانا مدى تعقيد المشهد السوري، حيث تتشابك الصراعات المحلية مع التدخلات الخارجية، مما يزيد من مخاطر التقسيم والصدامات المسلحة.
في ظل هذا التصعيد، تظل التساؤلات مفتوحة حول مدى قدرة الحكومة الانتقالية في دمشق على احتواء الأزمة، ومدى نجاح المساعي الإسرائيلية والأمريكية في إعادة رسم الخريطة السياسية لسوريا عبر اللعب على التناقضات الطائفية والعرقية.
ويبقى الخيار الحاسم بيد الشعب السوري والقوى الوطنية التي تسعى إلى تجنب الانزلاق نحو حرب داخلية جديدة، قد تكون أكثر خطورة من كل ما شهدته البلاد خلال العقد الماضي.