الدبلوماسية الخشنة: تحول السياسة الأمريكية وارتداداتها على النظام العالم

هيئة التحرير
Published 8 أشهر ago on 1 مارس, 2025-5 views
الدبلوماسية الخشنة: تحول السياسة الأمريكية وارتداداتها على النظام العالم

برلين 01.03.2025

تشهد السياسة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب تحولًا جذريًا يعكس انحرافًا عن نهج “القوة الناعمة” (Soft Power) الذي كانت واشنطن تتبناه في إدارة علاقاتها الدولية. فبدلًا من تقديم نفسها كقوة ناعمة تستند إلى الدبلوماسية والشراكات الاستراتيجية، باتت الولايات المتحدة تتبنى سياسة “الدبلوماسية الخشنة”، القائمة على الإملاءات السياسية والضغوط الاقتصادية والابتزاز المباشر لحلفائها قبل خصومها.

أزمة الحلفاء: أوروبا بين الإملاءات والاستقلال

التصريحات الأخيرة لترامب تجاه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، واتهامه بـ”عدم الاستعداد للسلام”، ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من التصعيد ضد الحلفاء. فبعد أن فرض ترامب رسومًا جمركية على كندا، وهاجم المكسيك، واستفز الاتحاد الأوروبي بتصريحات متعالية حول ضرورة تحمّل “عبء الدفاع عن أنفسهم”، جاء دوره الآن ليضع الحلفاء أمام واقع جديد قوامه: إما الامتثال أو العقوبات.

في مؤتمر ميونيخ للأمن، برزت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي بلهجة آمرة للأوروبيين حول كيفية إدارة سياساتهم الدفاعية. هذا النهج لا يعكس مجرد تحول في أسلوب الخطاب، بل يشير إلى تآكل أسس التحالف الأمريكي-الأوروبي التقليدي. ومع تصاعد الضغوط الأمريكية على أوروبا لتبني مواقف أكثر تشددًا تجاه الصين وروسيا، بدأت بعض العواصم الأوروبية تدرك أن الاستمرار في الاعتماد على واشنطن قد يكون رهانًا غير مضمون.

في هذا السياق، قد يكون التقارب الصيني-الأوروبي أحد أبرز السيناريوهات المطروحة. فالاتحاد الأوروبي، الذي كان يُنظر إليه دائمًا على أنه تابع استراتيجي للولايات المتحدة، بدأ يبحث عن بدائل تحقق له استقلالية أكبر، سواء من خلال تعزيز العلاقات مع بكين، أو عبر تقوية الروابط الدفاعية بين أعضائه بعيدًا عن المظلة الأمريكية.

الشرق الأوسط: الحماية مقابل الامتثال

في الشرق الأوسط، لم يكن الوضع أقل تأزمًا. فمع سياسة ترامب الجديدة تجاه المنطقة، لم تعد الولايات المتحدة توفر الحماية لحلفائها بقدر ما تفرض عليهم أجندتها بالقوة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك موقف واشنطن من الحرب في غزة، حيث تسعى إلى فرض تهجير الفلسطينيين نحو دول الجوار مثل مصر والأردن، وسط تهديدات بقطع المساعدات عن أي طرف يرفض الامتثال لهذه المخططات.

وفي سوريا، لم تعد الأولويات الأمريكية مرتبطة بحلول مستدامة، بل أصبحت جزءًا من لعبة الإملاءات السياسية والاقتصادية، حيث تهدف واشنطن إلى تقويض نفوذ خصومها الإقليميين، دون تقديم أي رؤية حقيقية للاستقرار في المنطقة.

مستقبل السياسة الأمريكية: عزلة أم إعادة تموضع؟

السياسة الحالية تفتح المجال أمام سيناريوهين رئيسيين:

1. تصاعد العزلة الأمريكية: إذا استمرت واشنطن في اتباع سياسة فرض الشروط دون مراعاة مصالح الحلفاء، فقد تجد نفسها في عزلة تدريجية، حيث تسعى القوى الكبرى الأخرى إلى ملء الفراغ الذي تتركه.

2. إعادة تموضع قسري: في ظل تنامي التحالفات البديلة، قد تضطر الولايات المتحدة لاحقًا إلى إعادة النظر في استراتيجيتها، وإعادة إحياء بعض أدوات “القوة الناعمة” التي تخلّت عنها في السنوات الأخيرة.

على المدى القصير، يبدو أن “الدبلوماسية الخشنة” ستبقى السمة الغالبة على السياسة الأمريكية، لكن السؤال الحقيقي هو: إلى أي مدى يمكن لهذا النهج أن يستمر دون أن يؤدي إلى انهيار التحالفات التقليدية التي كانت حجر الأساس في الهيمنة الأمريكية لعقود؟

Breaking News
error: Content is protected !!