إعادة تشكيل الشرق الأوسط: الممر الاستراتيجي وصراع النفوذ

هيئة التحرير
Published 8 أشهر ago on 25 فبراير, 2025-12 views
إعادة تشكيل الشرق الأوسط: الممر الاستراتيجي وصراع النفوذ

برلين 25.02.2025

تشهد منطقة الشرق الأوسط تغييرات جذرية في بنيتها الجيوسياسية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الدول الفاعلة فيها. من بين هذه التحولات، يبرز ممر استراتيجي يمتد من درعا جنوب سوريا إلى كردستان العراق، والذي يبدو أنه يهدف إلى إعادة تشكيل العلاقات الجغرافية والاقتصادية والسياسية في المنطقة. هذا الممر يطرح عدة سيناريوهات تتعلق بعزل بعض الدول، وإعادة توجيه اقتصادات أخرى، فضلًا عن تعزيز سيطرة بعض القوى الكبرى، وعلى رأسها إسرائيل، بغطاء دولي ضمن ترتيبات سياسية مستقبلية.

إعادة رسم الخارطة الجغرافية للمنطقة الممر الجغرافي الممتد من جنوب سوريا إلى شمال العراق لا يمكن اعتباره مجرد ممر حدودي، بل هو بمثابة إعادة ترسيم لحدود النفوذ والتأثير في المنطقة. فبينما كانت سوريا تاريخيًا تتصل اقتصاديًا وسياسيًا مع العراق والأردن، يبدو أن هذا المسار الجديد يهدف إلى قطع هذا الارتباط وتحويل وجهة دمشق الاقتصادية نحو تركيا، ما قد يعزز من التبعية السورية لأنقرة على المدى الطويل.

إضافة إلى ذلك، فإن عزل سوريا جغرافيًا عن الأردن والعراق يعني تقييد قدرتها على تشكيل تحالفات اقتصادية مع دول الجوار، مما يزيد من الضغط عليها في سياق أي مفاوضات مستقبلية بشأن إعادة الإعمار أو حتى أي حلول سياسية تنهي الصراع المستمر فيها.

 

البعد الاقتصادي: سوريا بين الاعتماد والتبعية مع غياب أي منفذ بري رئيسي إلى العراق، تصبح سوريا مضطرة للبحث عن بدائل تجارية، وهو ما قد يدفعها إلى مزيد من التعاون مع تركيا، التي تحاول منذ سنوات فرض نفوذها في الشمال السوري. كما أن هذا التوجه يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، إذ يعزز من محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو هدف استراتيجي تسعى إليه واشنطن وتل أبيب منذ سنوات.

في المقابل، سيكون على العراق مواجهة تحديات جديدة تتعلق بعدم القدرة على الاستفادة من الممرات التجارية مع سوريا، مما سيضع بغداد في موقف ضعيف ويحد من خياراتها الاقتصادية، بينما ستسعى كردستان العراق إلى الاستفادة من هذه التحولات لتعزيز وضعها الاقتصادي والسياسي ككيان شبه مستقل.

التداعيات الأمنية والعسكرية: إسرائيل كطرف فاعل لا يمكن فصل هذه التحركات عن المشهد الأمني والعسكري في المنطقة، حيث تسعى إسرائيل إلى تأمين موقعها كقوة إقليمية مسيطرة، ليس فقط من خلال عمليات التطبيع مع الدول العربية، بل عبر خلق وقائع جيوسياسية جديدة على الأرض. إن الممر الجديد يمنح إسرائيل فرصة أكبر للسيطرة على المشهد الأمني في سوريا والعراق، مما يضمن لها مجالًا أوسع للمناورة في المستقبل.

من جهة أخرى، فإن هذه التغيرات قد تساهم في خلق تحالفات جديدة، حيث تجد بعض الدول العربية نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في مواقفها السياسية لمواكبة المتغيرات، وهو ما قد يفسر تصاعد وتيرة التطبيع العربي الإسرائيلي في الفترة الأخيرة.

نحو شرق أوسط جديد؟ التوجهات الحالية تشير إلى أن المنطقة تتجه نحو إعادة تشكيل واسعة تشمل ليس فقط الحدود الجغرافية ولكن أيضًا التحالفات السياسية والاقتصادية. في هذا السياق، يبدو أن الدور العربي يتراجع بشكل متسارع نتيجة غياب رؤية استراتيجية موحدة، مما يجعل المنطقة خاضعة أكثر فأكثر للإملاءات الخارجية.

التجارب السابقة، بدءًا من مشاريع الوحدة العربية في عهد عبد الناصر، مرورًا بتجربة حزب الله في لبنان، وانتهاءً بنضال ياسر عرفات، جميعها تعكس حقيقة أن الاعتماد على الأيديولوجيا والمشاريع العاطفية دون تخطيط استراتيجي لم يعد يجدي نفعًا. ما تحتاجه المنطقة اليوم هو رؤية واضحة قائمة على المصالح الوطنية والقدرة على بناء تحالفات متوازنة تضمن الاستقلال السياسي والاقتصادي بعيدًا عن التبعية لأي قوة إقليمية أو دولية.

خاتمة إن إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط لم تعد مجرد نظرية سياسية، بل أصبحت واقعًا يتشكل يومًا بعد يوم. الدول التي لا تملك استراتيجية واضحة لمواجهة هذه التحولات ستجد نفسها متروكة على هامش الأحداث، فيما ستتمكن القوى الكبرى من فرض إرادتها وتوجيه مستقبل المنطقة وفق مصالحها. في ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى التساؤل الأكبر: هل ستتمكن الدول العربية من إعادة صياغة دورها أم ستظل مجرد بيادق في رقعة شطرنج القوى الكبرى؟

Breaking News
error: Content is protected !!