بعد فوزه في الانتخابات الألمانية، يتعيّن على الزعيم المحافظ توجيه دفة البلاد في حقبة جديدة دون واشنطن كحليف وثيق.
📝 برلين – 23 فبراير 2025 –
فريدريش ميرتس بات على أعتاب تولي منصب المستشار في ألمانيا، ليصبح أكثر القادة الألمان ارتباطًا بالولايات المتحدة على الإطلاق.
لم يسبق لأي رئيس حكومة ألماني أن أبدى مثل هذا التعلق الكبير بأمريكا. فقد سافر ميرتس إلى الولايات المتحدة أكثر من 100 مرة، بحسب إحصاءاته الشخصية، ويعتبر الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان أحد قدوته السياسية.
ميرتس، الذي يبدو أن تحالفه المحافظ قد فاز في الانتخابات الوطنية يوم الأحد بنسبة 29٪ من الأصوات وفقًا للمؤشرات الأولية، يحب تكرار إحدى عبارات ريغان الشهيرة التي تعكس نظرته المتشككة في دور الدولة: “أخطر تسع كلمات في اللغة الإنجليزية هي: ’أنا من الحكومة، وأنا هنا للمساعدة.‘”
ولكن بينما يقترب ميرتس من تولي السلطة في ألمانيا، يبدو أن أمريكا التي يعشقها قد تحولت من صديق لا غنى عنه إلى خصم غير موثوق به. بات ميرتس وغيره من القادة الأوروبيين ينظرون إلى الولايات المتحدة ليس كمنارة للديمقراطية، بل كقوة أخرى—إلى جانب روسيا والصين—تعمل على تقويض الديمقراطيات الأوروبية الهشة.
تحوّل في الحقبة السياسية
يقول ميرتس، متحدثًا في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أسابيع قليلة: “نحن نشهد الآن تحولًا حقيقيًا في الحقبة السياسية.” جاءت تعليقاته بعد خطاب لنائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، اتهم فيه الأحزاب الأوروبية الوسطية—وليس روسيا أو الصين—بأنها أكبر تهديد للأمن الأوروبي. وأضاف ميرتس: “إذا لم نستمع إلى جرس الإنذار الآن، فقد يكون الأوان قد فات على الاتحاد الأوروبي بأكمله.”
خطاب فانس في ميونيخ قد يُعتبر بمثابة لحظة تاريخية فاصلة في العلاقات عبر الأطلسي، تشبه في أهميتها خطاب فلاديمير بوتين في المؤتمر نفسه عام 2007، عندما أعلن الرئيس الروسي فعليًا الحرب على النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة. ولكن هذه المرة، تأتي القطيعة من داخل البيت الأبيض نفسه.
لطالما رفض القادة الألمان، بمن فيهم ميرتس، تصديق هذه الحقيقة، مؤكدين أن التحالف عبر الأطلسي سيظل متينًا—رغم الإشارات الواضحة من إدارة ترامب حول إنهاء المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتشكيك في التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا، ودعم القوى اليمينية المتطرفة المتحالفة مع موسكو.
بالنسبة لميرتس، الذي يُعرف بولائه العميق للتحالف عبر الأطلسي، كان هذا الإدراك بمثابة صدمة قاسية. والتحدي الأكبر أمامه الآن: هل يستطيع قيادة ألمانيا وأوروبا للدفاع عن النظام الليبرالي المتداعي بدون الولايات المتحدة؟ أم أن الأمر أصبح متأخرًا جدًا، كما أشار بنفسه في ميونيخ؟
رحلة صعود ميرتس وسقوطه… وصعوده من جديد
لم تكن هذه هي الطريقة التي تخيّل بها ميرتس لحظة انتصاره التي طال انتظارها.
وُلد ميرتس بعد الحرب العالمية الثانية بعقدٍ واحد، في منطقة زاورلاند الريفية الجبلية في غرب ألمانيا. لم يكن طالبًا متميزًا، وكان مدخنًا ومحبًا للشرب، مع سجل مليء بالمشاكل التأديبية. لكنه تأثر بالثقافة المحافظة العميقة في منطقته، وانضم إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) أثناء دراسته الثانوية. بعد فترة وجيزة في الجيش، التحق بجامعة بون، حيث درس القانون.
في عام 1989، وهو العام الذي سقط فيه جدار برلين، أصبح عضوًا محافظًا في البرلمان الأوروبي، وبعد خمس سنوات، انتُخب في البوندستاغ الألماني. تحت إشراف السياسي المخضرم ولفغانغ شويبله، صعد نجمه بسرعة وكان يُنظر إليه كمرشح محتمل لمنصب المستشار.
لكن صعوده توقف فجأة عام 2002، عندما خسر صراعًا على السلطة أمام أنجيلا ميركل، الزعيمة الأكثر وسطية للحزب.
📊 نتائج الانتخابات الأولية:
الحزب | 2021 | 2025 |
---|---|---|
الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) | 28.9٪ | 29٪ |
البديل من أجل ألمانيا (AfD) | 10.3٪ | 19.9٪ |
الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) | 25.7٪ | 16.2٪ |
الخضر | 14.8٪ | 13٪ |
اليسار | 4.9٪ | 8.5٪ |
الحزب الديمقراطي الحر (FDP) | 11.5٪ | 4.9٪ |
حزب سارة فاغنكنخت (BSW) | – | 4.8٪ |
أحزاب أخرى | 4٪ | 3.8٪ |
رجل أعمال أم شعبوي؟
ورغم فوزه في الانتخابات، لا يُعتبر ميرتس شخصية محبوبة شعبيًا.
في بلدٍ لا تزال قطاعات واسعة منه متشككة تجاه قطاع المال، فإن ثروة ميرتس وعمله السابق في شركة بلاك روك الأمريكية للاستثمار تثير الريبة. كما أن امتلاكه طائرة خاصة يقودها بنفسه يزيد من الشكوك حول كونه “رجل الشعب”.
يُنظر إلى ميرتس على أنه مندفع وحاد الطباع، لا يتردد في إطلاق تصريحات مثيرة للجدل حول الهجرة. يدافع مؤيدوه عنه باعتباره مجازفًا بطبيعته، لكن منتقديه يرونه سياسيًا انتهازيًا يتلاعب بالشعبوية.
قبل الانتخابات، وفي أعقاب هجمات شنها طالبو لجوء في ألمانيا، تحالفت الكتلة المحافظة بقيادة ميرتس مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف (AfD)، لتمرير قوانين مشددة للهجرة، بما في ذلك رفض استقبال طالبي اللجوء عند الحدود. أثارت هذه الخطوة احتجاجات ضخمة، لكن الناخبين أيدوه في النهاية.
المحافظ العابر للأطلسي الذي يواجه خيبة أمل كبرى
لطالما حلم المحافظون الألمان بأن يكون ميرتس جسراً للعلاقات مع الولايات المتحدة.
لكن موقفه بدأ يتغير بعد أن صدمه خطاب نائب الرئيس الأمريكي في ميونيخ. فقد اعترف ميرتس قائلًا: “الاختلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا أصبحت ذات طبيعة جديدة تمامًا.”
بدأ ميرتس يدعو إلى استعداد أوروبي لمواجهة ما أسماه بـ “القطيعة عبر الأطلسي”، محذرًا من أن ترامب قد ينهي حماية الناتو، وملمحًا إلى إمكانية تعاون أوروبي جديد في المجال النووي بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
بالنسبة لميرتس، فإن أوروبا لم يعد أمامها خيار سوى “الوقوف على قدميها”، كما قال في خطاب انتخابي بولاية هيسن: “ألمانيا يجب أن تلعب دورًا قياديًا داخل أوروبا. أنا مستعد لتحمل هذه المسؤولية.”
فيما يتولى ميرتس قيادة ألمانيا، يبقى السؤال الأهم: هل سينجح في توجيه أوروبا نحو عصر جديد بدون المظلة الأمريكية؟