مقدمة: نفاق سياسي قبل الانتخابات؟
في وقت تستعد فيه ألمانيا لعام انتخابي ساخن، وجد الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) نفسه في قلب فضيحة جديدة تهدد صورته كمدافع عن اللاجئين وحقوق الإنسان.
السبب؟ رسائل رسمية أرسلتها سلطات الهجرة في ولاية مكلنبورغ-فوربومرن، بقيادة حكومة ائتلافية يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) بالتعاون مع حزب اليسار (Die Linke)، إلى لاجئين سوريين تحثهم على “العودة الطوعية” إلى سوريا، متذرعةً بـ “تحسن الأوضاع” بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.
لكن عندما اتضح أن هذه الرسائل لم تقتصر على الأشخاص الملزمين بالمغادرة قانونيًا، بل شملت لاجئين لديهم تصاريح إقامة، انفجرت موجة من الانتقادات، وصار واضحًا أن الحزب الذي طالما قدم نفسه كـ “مدافع عن اللاجئين”، قد وقع في فخ السياسات المتناقضة.

SPD في مأزق: سياسة مزدوجة أم سوء تقدير؟
لطالما تبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي خطابًا داعمًا للمهاجرين، مستخدمًا لغة حقوق الإنسان والمساواة كأحد أعمدة حملاته الانتخابية. لكن هذه الفضيحة تضعه الآن في موقف دفاعي، حيث اتضح أن حكومته المحلية في مكلنبورغ-فوربومرن لم تكتفِ فقط بتنفيذ سياسات الهجرة الصارمة، بل تبنت أيضًا خطابًا خطيرًا يوحي بأن سوريا أصبحت آمنة للعودة.
وزير الداخلية في الولاية، كريستيان بيغل (SPD)، لم ينكر وجود الرسائل، بل حاول الدفاع عنها قائلًا إن “العودة الطوعية أقل تكلفة من الترحيل القسري”، مما زاد من حدة الانتقادات، خاصة من داخل الأوساط الحقوقية، حيث اعتُبر هذا التصريح “مؤشرًا على تغيير جذري في نهج الحزب تجاه اللاجئين.”
حزب اليسار يحرج نفسه أيضًا
الأمر لم يتوقف عند SPD وحده، بل طال حزب اليسار (Die Linke)، الشريك في الحكم في مكلنبورغ-فوربومرن، والذي لطالما تبنى خطابًا مناهضًا للتمييز وداعمًا للاجئين. لكن عندما سُئلت رئيسة بلدية روستوك، إيفا-ماريا كروغر (Die Linke)، عن الرسائل، حاولت التخفيف من وقع الفضيحة بقولها إن “الرسائل ليست دعوة للرحيل، لكنها قد تُفسَّر كذلك.”
وهنا يبرز السؤال: كيف لحزب يرفع شعارات “حقوق الإنسان أولًا” أن يكون جزءًا من حكومة تروج لعودة اللاجئين إلى بلد ما زالت الخارجية الألمانية نفسها تصنفه كدولة غير آمنة؟
الخارجية الألمانية تكذب السردية الحكومية
على الرغم من أن الرسائل الصادرة عن سلطات مكلنبورغ-فوربومرن أوحت بأن “سوريا أصبحت جاهزة لاستقبال اللاجئين بعد تغيير النظام”، إلا أن وزارة الخارجية الألمانية لا تزال تصدر تحذيرات رسمية بشأن خطورة الأوضاع هناك.
في تقريرها الأخير، أكدت الوزارة أن “خطر الهجمات الإرهابية لا يزال قائمًا، كما أن اندلاع موجات عنف جديدة في أي لحظة ليس مستبعدًا.”
وهنا تتكشف التناقضات العميقة: إذا كانت الحكومة الاتحادية نفسها لا تعتبر سوريا آمنة، فلماذا إذًا يقوم SPD في مكلنبورغ-فوربومرن بإرسال هذه الرسائل؟
صدمة اللاجئين والسوريين في ألمانيا
تسبب الكشف عن هذه الرسائل في حالة من الذعر بين اللاجئين السوريين في الولاية، حيث اعتبر العديد منهم أن هذه الخطوة “تهديد مبطن” بضرورة المغادرة، حتى لو لم يكونوا ملزمين بذلك قانونيًا.
مجلس اللاجئين في مكلنبورغ-فوربومرن انتقد بشدة هذا الإجراء، قائلًا إنه “يخلق مناخًا من الخوف وعدم اليقين بين اللاجئين.”
أما حزب الخضر (Die Grünen)، فاستغل الفرصة للهجوم على حكومة الولاية، حيث وصفت المتحدثة الداخلية للحزب، كونستانزه أوهلريش، هذه الخطوة بأنها “إهانة لكل الجهود المبذولة لحماية اللاجئين، واستجابة خطيرة للضغوط الشعبوية المعادية للمهاجرين.”
هل يؤثر هذا الجدل على SPD في الانتخابات القادمة؟
يأتي هذا الكشف في وقت حرج بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يواجه تحديات انتخابية ضخمة، خصوصًا مع صعود اليمين الشعبوي (AfD) في عدة ولايات. وبينما يحاول الحزب التوازن بين خطاب “التضامن مع اللاجئين” وبين مطالب التشديد على قوانين الهجرة، فإن هذه الفضيحة قد تكلفه خسارة الأصوات في معسكر الناخبين اليساريين والتقدميين، الذين يرون في هذه الخطوة خيانة لقيم الحزب.
في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الأهم:
هل ستقوم حكومة مكلنبورغ-فوربومرن بالتراجع عن هذه السياسة لتجنب مزيد من الجدل، أم أن SPD سيواصل هذا التوجه بحجة “تنظيم الهجرة”، مما قد يفتح الباب أمام تغيرات أوسع في سياسة الحزب على المستوى الوطني؟
الأيام القادمة كفيلة بكشف الإجابة.