ترجمة لمقال: ديفيد إغناتيوس – واشنطن بوست
يبدو أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي لطالما ادعى رغبته في إنهاء الحروب في الشرق الأوسط، يقترب من التورط في أزمة جديدة وخطيرة، وذلك بعد تصريحاته الأخيرة حول طرد الفلسطينيين من غزة والاستيلاء على الإقليم لصالح الولايات المتحدة.
أثار هذا المقترح المثير للجدل موجة من الانتقادات الحادة داخل الولايات المتحدة وخارجها، مما دفع السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، إلى محاولة التهدئة بالإعلان أن ترامب لا يعتزم إرسال قوات أمريكية أو تمويل المشروع. لكن مع عدم وجود أي دعم إقليمي أو دولي لهذا الاقتراح، فإنه يبدو مجرد طرح نظري فارغ من أي خطة تنفيذية واضحة.
ردود فعل غاضبة في الشرق الأوسط والولايات المتحدة
أحدث إعلان ترامب صدمة في المنطقة، حيث سارعت كل من السعودية والإمارات إلى رفض الفكرة بشكل قاطع. أما في الأردن، فقد بدأت احتجاجات صغيرة بالفعل، وفقًا لمصادر مطلعة. ولم تتوقف التداعيات عند الشرق الأوسط، بل امتدت إلى الداخل الأمريكي أيضًا، حيث أصدرت وزارة الأمن الداخلي تحذيرًا إلى سلطات إنفاذ القانون حول إمكانية اندلاع احتجاجات بسبب “التغيرات في موقف الولايات المتحدة في المنطقة”.
كما ظهرت مخاوف أمنية أخرى، حيث بدأت مجموعة تُعرف باسم “المقاومة الإسلامية الإلكترونية” بالدعوة إلى شن هجمات إلكترونية على البنوك الأمريكية احتجاجًا على إعلان ترامب، وفقًا لتقارير من جهات تراقب النشاطات المتطرفة عبر الإنترنت.
قلق إقليمي من التداعيات الكارثية
في المنطقة، أثار هذا الطرح مخاوف عميقة، خصوصًا في مصر والأردن، وهما الدولتان اللتان ذكرهما ترامب كوجهات محتملة للفلسطينيين المرحّلين. وحذر مسؤول استخباراتي مخضرم في الشرق الأوسط من أن هذا الاقتراح قد يؤدي إلى اضطرابات هائلة قد تمتد آثارها إلى إسرائيل، متسائلًا: “لماذا يتم تصدير حماس إلى دول تعتبر أساسية لأمن إسرائيل؟”.
وفي مصر، أعربت مصادر أمنية عن استعداد البلاد لمواجهة أي سيناريو محتمل، حيث كشف مصدر مصري قريب من جهاز الاستخبارات الداخلية أن القاهرة لن تتهاون مع أي محاولة لفرض تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء، مؤكدًا أن “مصر ستتحرك عسكريًا” إذا حصل ذلك، مشيرًا إلى أن القوات المصرية تعزز وجودها في سيناء منذ مايو الماضي تحسبًا لأي تطورات غير متوقعة.
ترامب وكوشنر: هل كانت الخطة مبيتة منذ فترة؟
لم يكن إعلان ترامب مفاجئًا تمامًا إذا ما نظرنا إلى تصريحات سابقة لصهره ومستشاره السابق، جاريد كوشنر، الذي قال في منتدى بجامعة هارفارد قبل عام إن “الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة”، مضيفًا: “من وجهة نظر إسرائيل، سأبذل جهدي لنقل السكان إلى خارجها ثم إعادة تطويرها”.
كما أن ترامب سبق أن ناقش فكرة ترحيل الفلسطينيين خلال اجتماع مع أحد قادة الخليج في سبتمبر الماضي، وفقًا لمصدر عربي مطلع على اللقاء، ما يعزز الفرضية بأن هذه الفكرة ليست مجرد زلة لسان، بل كانت موضع تفكير لفترة طويلة.
ارتباك داخل الإدارة الأمريكية
في واشنطن، لم يكن لدى وزارة الخارجية أو مجلس الأمن القومي الأمريكي أي توضيح للموقف عند استفسار المسؤولين الأردنيين، وفقًا لمصدر مطلع. حتى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لم تتلقَ أي إشعار مسبق حول الاقتراح.
يتزامن هذا الارتباك مع حالة من الفوضى داخل الأجهزة الأمنية الأمريكية، حيث تم تقديم عروض تقاعد مبكر لعدد كبير من ضباط الاستخبارات المركزية كجزء من سياسة لتقليص القوة العاملة، وهي خطوة يرى محللون أنها قد تؤثر سلبًا على قدرة الاستخبارات الأمريكية على التعامل مع التهديدات الدولية، خاصة في ظل فقدان خبرات نادرة مثل المتحدثين باللغات الروسية والعربية والصينية.
هل لدى إدارة ترامب خطة واضحة؟
لا يبدو أن إدارة ترامب تملك استراتيجية واضحة للشرق الأوسط. فرغم تفاخره سابقًا بهزيمة تنظيم داعش، ألمح مؤخرًا إلى رغبته في سحب القوات الأمريكية الخاصة من سوريا، مما قد يفتح الباب أمام عودة ظهور التنظيم الإرهابي.
وفي ظل هذه التغييرات المتسارعة، يبقى السؤال الأكبر: من سيتحمل تداعيات هذه الفوضى؟ حتى الآن، يبدو أن إدارة ترامب لا تملك أي إجابة.
المقال نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” بقلم الصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس.