مقدمة: مواقف متباينة لكن النتيجة واحدة
منذ اندلاع الحرب على غزة، كان للولايات المتحدة دورٌ محوريٌّ في دعم إسرائيل، سواء في عهد الرئيس جو بايدن أو في ظل عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى السلطة. لكن الفرق بين الإدارتين يكمن في مدى هذا الدعم وتطوره، حيث اقتصر بايدن على الدعم السياسي والعسكري لحكومة بنيامين نتنياهو، بينما ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، متحالفًا مع أكثر الشخصيات تطرفًا في إسرائيل، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وتبنى رؤيتهما حول احتلال غزة وتهجير سكانها قسريًا.
تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى فرض مشروع استيطاني ضخم، حيث لا تقتصر الرؤية على دعم إسرائيل، بل تشمل تنفيذ خطط تهجير واسعة للفلسطينيين، وإعادة إعمار غزة كمستوطنة إسرائيلية جديدة، يروّج لها على أنها “ريفيرا الشرق الأوسط”، مما يفتح الباب أمام تغيير جذري للخريطة السياسية في المنطقة.
أولًا: بايدن ونتنياهو – التحالف التقليدي بين واشنطن وتل أبيب
خلال فترة رئاسته، اعتمد بايدن على سياسة الدعم المطلق لإسرائيل، لكنه لم يصل إلى مستوى التبنّي الأيديولوجي للمشروع الصهيوني كما فعل ترامب.
ملامح سياسة بايدن تجاه غزة وإسرائيل
- 1. الدعم العسكري غير المحدود:
• قدّمت إدارة بايدن مساعدات عسكرية بقيمة 14.3 مليار دولار لإسرائيل خلال الحرب على غزة، مما مكّن الجيش الإسرائيلي من الاستمرار في عملياته القتالية.
• وافقت الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بقنابل دقيقة التوجيه وأسلحة متطورة، رغم تصاعد الانتقادات الدولية بسبب استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين الفلسطينيين.
- 2. التغطية الدبلوماسية الكاملة:
• استخدمت واشنطن الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع أي قرارات تُدين إسرائيل أو تدعو إلى وقف إطلاق النار.
• لعبت دورًا أساسيًا في حماية إسرائيل من أي عقوبات دولية، رغم تزايد الاتهامات لها بارتكاب جرائم حرب في غزة.
- 3. غياب الضغوط السياسية:
• لم تمارس إدارة بايدن أي ضغط حقيقي على نتنياهو لإيقاف الحرب، واكتفت بالدعوات الشكلية للتهدئة، دون فرض أي عقوبات أو اتخاذ خطوات ملموسة.
• استمرت الإدارة في الحديث عن “حل الدولتين”، لكنها لم تقدم أي خطط عملية لتحقيقه.
لماذا لم يضغط بايدن على إسرائيل؟
• الخوف من خسارة الدعم اليهودي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
• التأثير القوي للوبي الصهيوني في واشنطن، خاصة لجنة “إيباك”.
• عدم الرغبة في تغيير السياسة التقليدية للحزب الديمقراطي تجاه إسرائيل.
ثانيًا: ترامب والمشروع الاستيطاني – نحو احتلال غزة وتهجير سكانها
على عكس بايدن، لم يكتفِ ترامب بدعم إسرائيل، بل تبنّى بشكل كامل مشروع الاحتلال الإسرائيلي لغزة. فقد أطلق تصريحات صادمة خلال لقاء جمعه مع قيادات اليمين الإسرائيلي المتطرف في البيت الأبيض، حيث قال إن غزة يجب أن “تُفرّغ من سكانها”، وأن يتم إعادة إعمارها كمستوطنة إسرائيلية جديدة.
ملامح سياسة ترامب الجديدة تجاه غزة
- 1. تبنّي رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف:
• تحالف ترامب مع شخصيات يمينية متشددة مثل سموتريتش وبن غفير، اللذين يدعوان إلى تهجير الفلسطينيين من غزة وإحلال المستوطنين اليهود محلهم.
• أشار إلى أن إسرائيل “صغيرة جدًا” وتحتاج إلى “التوسع”، في إشارة واضحة إلى دعمه لاحتلال أراضٍ فلسطينية جديدة.
- 2. خطة تهجير سكان غزة:
• كشف ترامب عن خطة تتضمن نقل سكان غزة إلى مصر أو دول أخرى، وهو ما أثار استنكارًا دوليًا واسعًا.
• أكدت تقارير إعلامية أن فريق ترامب يجري مشاورات سرية مع دول عربية لإقناعها بقبول اللاجئين الفلسطينيين، مقابل حوافز اقتصادية وأمنية.
- 3. تحويل غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”:
• صرّح ترامب بأنه يريد إعادة إعمار غزة بعد تهجير سكانها، وتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي عالمي، يخدم مصالح إسرائيل.
• هذه الفكرة تتماشى مع خطط إسرائيل لتطوير مستوطنات جديدة في المناطق الساحلية الفلسطينية، مستغلةً الموقع الاستراتيجي لغزة.
- 4. فرض التطبيع العربي دون مقابل:
• يسعى ترامب إلى توسيع اتفاقات التطبيع مع الدول العربية، لكنه يريد هذه المرة فرض التطبيع دون أي تنازلات إسرائيلية.
• يتوقع أن يضغط على السعودية ودول خليجية أخرى للاعتراف بإسرائيل، مقابل صفقات اقتصادية وأمنية ضخمة.
السيناريوهات المستقبلية: إلى أين تتجه المنطقة؟
- السيناريو الأول: استمرار الحرب بدعم أمريكي مفتوح
• إذا استمر بايدن في دعم إسرائيل دون فرض أي قيود، فإن ذلك سيؤدي إلى تصعيد عسكري أكبر في غزة.
• قد تتوسع العمليات الإسرائيلية لتشمل مناطق جديدة في الضفة الغربية.
• زيادة الاحتقان السياسي في العالم العربي، مع احتمال اندلاع احتجاجات شعبية واسعة.
- السيناريو الثاني: نجاح خطة تهجير الفلسطينيين
• في حال تمكن ترامب من إقناع بعض الدول العربية بقبول اللاجئين الفلسطينيين، فقد نشهد تنفيذ خطة تهجير تدريجية لسكان غزة.
• هذا السيناريو سيؤدي إلى اضطرابات سياسية كبرى في العالم العربي، خاصة في مصر والأردن، اللتين سترفضان استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين.
• احتمال تصاعد المقاومة المسلحة في غزة، واندلاع حرب طويلة الأمد بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
- السيناريو الثالث: تراجع إسرائيل أمام الضغوط الدولية
• قد تؤدي الضغوط الدولية، خاصة من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، إلى إيقاف الخطط الإسرائيلية لاحتلال غزة.
• احتمال فرض عقوبات على إسرائيل في حال استمرت في تنفيذ سياسات التهجير والاستيطان.
• قد يؤدي هذا السيناريو إلى فرض حل سياسي، مثل إقامة حكم ذاتي فلسطيني في غزة تحت رقابة دولية.
- السيناريو الرابع: تسوية سياسية بوساطة أمريكية
• إذا قررت إدارة بايدن تغيير موقفها، فقد تدفع إسرائيل نحو القبول بصفقة سياسية تشمل تبادل الأسرى مع حماس، ووقف التصعيد العسكري.
• هذا السيناريو يتطلب تغييرًا جذريًا في السياسة الأمريكية، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.
خاتمة: هل يمكن كبح جنون ترامب؟
هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدول العربية والمجتمع الدولي لوقف المخططات الأمريكية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بتهجير سكان غزة. الجامعة العربية مطالبة باتخاذ موقف حاسم، بدلًا من الاكتفاء بالبيانات الإعلامية.
أما أهل غزة، فقد أثبتوا أنهم قادرون على الصمود في وجه الاحتلال، ولن يقبلوا بأي محاولة لاقتلاعهم من أرضهم. التاريخ يؤكد أن مشاريع التهجير والاحتلال لم تنجح في الماضي، ولن تنجح اليوم.