القاهرة – 8 سبتمبر 2025 | عرب 24
في خضم الحرب الإسرائيلية على غزة، برزت أزمة جديدة بين إسرائيل ومصر بعد تصريحات مثيرة للجدل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، خليل الحية، التي دعا فيها المصريين إلى التحرك لوقف تجويع الفلسطينيين. القاهرة رأت في هذه التصريحات اتهاماً مباشراً للنظام، وردت بحدة، متهمة الحركة بالنفاق ومحاولة استغلال الأزمة الاقتصادية المصرية.
لكن التوتر لم يتوقف عند هذا الحد. فبعد أيام، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحات اعتبرتها القاهرة بمثابة “إعلان حرب”، حين لمح إلى إمكانية فتح معبر رفح من الطرف الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، للسماح للفلسطينيين بالخروج إلى مصر. الخارجية المصرية وصفت أي خطوة من هذا النوع بأنها “خط أحمر” و”خرق صارخ للقانون الدولي يصل إلى حد التطهير العرقي”، مؤكدة أن مصر لن تكون أبداً بوابة للهجرة القسرية ولن تشارك في تصفية القضية الفلسطينية.
ورقة الغاز في قلب الأزمة
التوتر تزامن مع تسريبات عن نية نتنياهو مراجعة اتفاق الغاز الضخم الموقع الشهر الماضي بين شركات إسرائيلية ومصرية، بقيمة 35 مليار دولار، يمتد حتى عام 2044. الاتفاق يقضي بتزويد مصر بـ 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي، وبناء أنبوب جديد بتكلفة 400 مليون دولار، ليشكل دعامة اقتصادية لعلاقات الدولتين.
استخدام نتنياهو للاتفاق كورقة ضغط على القاهرة أثار علامات استفهام، خصوصاً أن مصر تواجه أزمة طاقة خانقة بعد تراجع إنتاج حقل “ظهر” بنسبة 40%، واضطرارها منذ ثلاث سنوات لاستيراد الغاز بعد أن كانت مكتفية ذاتياً. ورغم هذا العجز الداخلي، تواصل القاهرة تصدير الغاز إلى أوروبا وتركيا عبر محطات الإسالة، وهو ما يجعلها شريكاً محورياً لإسرائيل في تزويد الأسواق الغربية.
مصر بين الحاجة الاقتصادية والخطوط الحمراء
مصر تدافع عن الاتفاق باعتباره “توسيعاً لاتفاق 2019” وليس تحالفاً استراتيجياً جديداً، مؤكدة أن لديها بدائل مع قطر وتركيا وشركاء آخرين في مجال الغاز. لكن التلميحات الإسرائيلية الأخيرة بتحويل معبر رفح إلى ممر للهجرة القسرية للفلسطينيين صدمت القاهرة، التي ترى في هذه الفكرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
التاريخ القريب يوضح حساسية الملف. فخطة “توطين الغزيين في سيناء” ظهرت خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل أن تُسحب، لكنها بقيت هاجساً حاضراً في النقاشات الإسرائيلية. واليوم، يعيد نتنياهو إحياء هذا الكابوس في الذكرى السابعة والأربعين لاتفاق كامب ديفيد الذي كان يفترض أن يؤسس لاستقرار دائم في العلاقات المصرية – الإسرائيلية.
معادلة جديدة
رغم التعاون الأمني الوثيق بين الجيشين المصري والإسرائيلي في سيناء منذ عام 2014، وتبادل التفاهمات بشأن انتشار القوات، يبدو أن تصريحات نتنياهو الأخيرة وضعت العلاقة على المحك. القاهرة تنظر بعين الريبة إلى محاولات تل أبيب استغلال ورقة الغاز لفرض أجندة سياسية وأمنية، وترى أن أي محاولة لدفع الفلسطينيين نحو سيناء ستُعتبر تهديداً وجودياً يستدعي الرد.
بهذه التصريحات، يفتح نتنياهو جبهة غير متوقعة مع مصر، الدولة التي التزمت باتفاق السلام على مدار عقود، وأصبحت حجر أساس في ترتيبات المنطقة. غير أن استمرار القصف في غزة، والضغط على المعابر، يهددان بتقويض ليس فقط استقرار القطاع، بل أيضاً ركائز العلاقة الاستراتيجية بين القاهرة وتل أبيب.