بين التوجهات المتشددة لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) والضغوط الحقوقية الداخلية والخارجية، تبرز سياسة الهجرة في ألمانيا مجددًا كأحد أبرز محاور الجدل السياسي بعد الإعلان عن الاتفاق الحكومي الجديد بين الاتحاد و”الاشتراكي الديمقراطي”. فهل نشهد فعلًا تحولًا جذريًا في نهج الدولة تجاه اللاجئين والمهاجرين، أم أن الواقع الأوروبي سيفرض قيوده مرة أخرى؟
أبرز ما ورد في الاتفاق: تشديد مقابل تقييد ذاتي
من بين أبرز البنود التي تضمنها الاتفاق الحكومي الجديد:
منع لمّ الشمل لمدة لا تقل عن عامين لطالبي اللجوء الذين لا يتمتعون بحماية كاملة. إيقاف البرامج الفيدرالية الطوعية لاستقبال اللاجئين. تسريع عمليات الترحيل، بما يشمل رحلات منتظمة إلى أفغانستان وسوريا، رغم التحديات القانونية والإنسانية. رفض مبادرة “التجنس السريع” بعد ثلاث سنوات، التي كانت موجهة للمندمجين جيدًا في المجتمع. فرض ضغوط سياسية على دول الأصل غير المتعاونة في إعادة المرحّلين، عبر ربط ملفات التنمية والتجارة والفيزا بالتعاون في العودة.
الحدود الأوروبية… الاختبار الحقيقي
رغم إصرار وزراء من CDU/CSU على أن ألمانيا قادرة قانونيًا على إعادة طالبي اللجوء من حدودها، فإن التوافق مع الشركاء الأوروبيين ما يزال شرطًا أساسًا لأي تنفيذ عملي. فسويسرا حذّرت من خرق الاتفاقيات الثنائية واتفاقية دبلن، بينما أبدت النمسا دعمًا مشروطًا. أما بولندا وتشيكيا، فقد عبّرتا عن تحفظات خشية تأثيرات الدومينو على منطقة “شنغن”.
انتقادات من داخل المجتمع المدني
فيما رُحب ببعض البنود، عبّرت منظمات المهاجرين عن خيبة أمل بسبب تجاهل المخاوف المتعلقة باندماج المسلمين والسود والغجر (سنتي ورُوما). حيث اعتبر رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، عبدالصمد اليزيدي، أن “غياب المسلمين عن الخطاب السياسي في الاتفاق ليس مصادفة، بل تقصير سياسي ستكون له عواقب”.
ماذا عن الأرقام؟
في عام 2024، سُجل 229.751 طلب لجوء جديد في ألمانيا، بانخفاض ملحوظ عن العام السابق. ومع ذلك، لم تصل عمليات الترحيل إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، حيث بلغ عددها نحو 20,084 فقط.
هل يمكن ترحيل اللاجئين إلى سوريا وأفغانستان؟
ورغم إعلان CDU عزمه تنظيم رحلات طرد منتظمة لهذين البلدين، إلا أن العوائق الواقعية كبيرة:
لا توجد حكومة معترف بها دوليًا في كابول. الوضع في دمشق لا يزال أمنيًا غير مستقر. زيارات سياسية تم إلغاؤها لأسباب أمنية (مثل زيارة وزيرة الداخلية إلى سوريا في مارس 2025).
خلاصة: سياسة مزدوجة بين الخطاب والتطبيق
يبدو أن التحولات المعلنة في سياسة الهجرة الألمانية تتجه نحو التشدد، لكنها ما تزال رهينة التوازنات الأوروبية والاعتبارات الإنسانية. وبينما تتوعد الحكومة باتخاذ خطوات “حاسمة”، تحذّر منظمات حقوق الإنسان من الانزلاق نحو تقليص الحريات والحقوق باسم الأمن والسيطرة.