«مراقبة الدردشات» .. قراءة تحليلية في أبعاد المشروع الأوروبي وخطورته على الحريات

هيئة التحرير
Published أسبوعين ago on 25 سبتمبر, 2025-12 views
«مراقبة الدردشات» .. قراءة تحليلية في أبعاد المشروع الأوروبي وخطورته على الحريات

بروكسل – 25 سبتمبر 2025 | عرب 24

أداة رقابية بأبعاد متعددة

مشروع «Chatkontrolle» الذي تدفع به مؤسسات الاتحاد الأوروبي لا يمكن قراءته فقط كإجراء تقني ضد استغلال الأطفال. خلف هذا الخطاب الأخلاقي، تتشكل منظومة جديدة تحمل انعكاسات عميقة على الأمن والسياسة والاقتصاد داخل أوروبا.

أولاً: البعد الأمني والسياسي

  1. تمكين الأجهزة الأمنية

    • المشروع يحقق حلم قديم للشرطة والأجهزة السرية: الوصول الاستباقي لمحتوى جميع الرسائل.

    • يتيح هذا النظام تجريم وقائي (präventive Kriminalisierung) حيث يصبح كل مواطن تحت المراقبة حتى يثبت العكس.

  2. توسيع الأهداف تدريجياً

    • اليوم العنوان «حماية الأطفال»، غداً «مكافحة الإرهاب»، وبعد غد «خطاب الكراهية».

    • التجربة مع قوانين تخزين البيانات تؤكد أن ما يُرفض قضائياً يُعاد تقديمه بصيغ جديدة حتى يتم تمريره.

  3. تأثير مباشر على الديمقراطية

    • منظمات حقوقية تحذر أن المشروع سيتحول إلى أداة لقمع المعارضة السياسية، مراقبة الصحفيين، وملاحقة الناشطين.

    • الأمم المتحدة نبهت إلى تهديد حرية الصحافة وحماية المبلّغين (Whistleblower).

ثانياً: البعد الاقتصادي والتكنولوجي

  1. إضعاف المنافسة

    • تطبيق تقنية Client-Side-Scanning يحتاج إلى استثمارات ضخمة.

    • الشركات الصغيرة مثل Threema أو ProtonMail قد تنهار، بينما شركات مثل آبل، مايكروسوفت، وميتا ستعزز احتكارها.

  2. توافق مع مصالح «Big Tech»

    • المشروع يُقدَّم كقانون أمني، لكنه عملياً يخدم مصالح اقتصادية أمريكية كبرى على حساب الابتكار الأوروبي.

    • ينتج عنه إعادة هيكلة للسوق لصالح الشركات العملاقة فقط.

ثالثاً: الترابط مع مشروع الهوية الرقمية

  • بالتوازي، يدفع الاتحاد الأوروبي لإقرار هوية رقمية موحدة.

  • عند الجمع بين النظامين (مراقبة الدردشات + الهوية الرقمية)، تصبح كل رسالة مرتبطة بهوية شخص محدد، ما يعني:

    • رصد كامل لكل المحادثات.

    • تخزين البيانات وربطها بالأفراد بشكل مباشر.

    • خلق بنية تحتية جاهزة لأي نظام سلطوي مستقبلي.

رابعاً: المخاطر التقنية والعملية

  1. نسبة أخطاء مرتفعة

    • أي خوارزمية ستحقق معدلات عالية من الإنذارات الكاذبة.

    • صور عائلية أو شخصية قد تُصنف كمحتوى مريب، ما يؤدي إلى مشاكل قانونية ومعاناة للمواطنين الأبرياء.

  2. عدم فعالية ضد المجرمين الفعليين

    • المجرمون دائماً يجدون طرقاً بديلة لتجاوز المراقبة.

    • الضحية الحقيقية ستكون المواطن العادي، لا الشبكات الإجرامية.

خلاصة تحليلية

ما يُقدَّم على أنه إصلاح لحماية الأطفال هو في جوهره مشروع لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.

  • الدولة تتحول إلى مراقب دائم.

  • القطاع الخاص (Big Tech) يتحول إلى شريك إلزامي في الرقابة.

  • الخصوصية الفردية تُستبدل بفضاء رقابي شامل.

إنها ليست مجرد سياسة تقنية، بل تحوّل حضاري يهدد ركائز الديمقراطية الأوروبية. رفض هذا المشروع لا يعني معاداة حماية الأطفال، بل يعني الدفاع عن حق أساسي: الحرية الشخصية وحرية الاتصال.

Breaking News
error: Content is protected !!