الثورة السورية التي انطلقت بهدف إسقاط الاستبداد وبناء دولة الحرية والكرامة تواجه اليوم أكبر تهديداتها، ليس فقط من بقايا النظام الذي ما زال يناور لاستعادة سيطرته، ولكن أيضًا من ثورة مضادة تتحرك عبر أدوات داخلية وخارجية. هذه الثورة المضادة، وإن اختلفت وجوهها، تجمعها أهداف واحدة: إجهاض حلم السوريين وتفريغ الثورة من جوهرها.
التهديد الداخلي: تحول المعارضة إلى أدوات للثورة المضادة
من أخطر ملامح الثورة المضادة ما يحدث داخل صفوف المعارضة نفسها.
• الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي كان يُفترض أن يكون الممثل السياسي للثورة، أصبح في نظر الكثيرين جزءًا من الأزمة، وليس الحل.
• بعض أعضاء الائتلاف تخلو عن دورهم في تمثيل الشعب الثائر، وتحولوا إلى أدوات تخدم مصالح دولية وإقليمية.
• بدلًا من السعي لتحقيق أهداف الثورة، أصبح الائتلاف يعمل على تثبيت الأوضاع التي تخدم أجندات خارجية، متحديًا إرادة الشعب السوري وتضحياته.
• الممارسات السياسية الخاطئة للائتلاف تتجسد في هرولة بعض أعضائه لحضور اجتماعات مثل اجتماع العقبة، الذي تمخض عنه بيان يعتبره السوريون إعلانًا واضحًا للوصاية الدولية على مستقبل سوريا.
• بيان العقبة ليس إلا خنجرًا جديدًا في ظهر الثورة، يحاول فرض حلول سياسية تمثل مصالح دول خارجية على حساب المطالب الوطنية.
• الشعب السوري يرفض بشكل قاطع هذا البيان، ويرى فيه محاولة لإعادة إنتاج الانتداب الدولي بشكل جديد.
الخطر الخارجي: الأجندات الدولية والإقليمية
إلى جانب الأزمات الداخلية، تواجه الثورة السورية تحديات من قوى خارجية تتلاعب بمستقبل البلاد لتحقيق مصالحها.
• الأطراف الدولية لا تنظر إلى سوريا كدولة ذات سيادة، بل كساحة نفوذ تسعى لاستغلالها سياسيًا وعسكريًا.
• الوصاية الأممية، التي تُروج تحت ستار الاستقرار، تهدف إلى فرض حلول سياسية تتماشى مع أجندات هذه القوى، متجاهلة إرادة السوريين وتضحياتهم.
• الدعم الإقليمي لبعض الأطراف السياسية في المعارضة يُستخدم كوسيلة للضغط والتلاعب، مما يؤدي إلى تآكل الثقة بين الشعب وقياداته المفترضة.
كيف تستغل الثورة المضادة الإخفاقات؟
الثورة المضادة تعتمد على استغلال النقاط التالية لإضعاف الثورة:
1. تحميل القوى الثورية أعباءً مستحيلة:
• كما حدث في تونس ومصر، تُفرض على القيادات الثورية مطالب مستحيلة التنفيذ في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية منهكة، لتظهر الثورة وكأنها فاشلة.
2. الإعلام المضلل:
• تستخدم القوى المضادة وسائل الإعلام لتشويه صورة الثورة وقياداتها، مستغلة الأخطاء الصغيرة لتضخيمها وخلق حالة من الإحباط الشعبي.
3. تأجيج الانقسامات الداخلية:
• تعمل القوى المضادة على تعميق الخلافات بين فصائل المعارضة، وتحويلها من قوة موحدة إلى أطراف متصارعة تخدم في النهاية أهداف النظام والقوى الخارجية.
ما الذي يجب فعله لحماية الثورة؟
1. وحدة الصف الثوري:
• يجب على القوى الثورية السورية أن تتجاوز خلافاتها، وتعيد بناء نفسها بعيدًا عن الأطراف التي ثبت انحيازها للمصالح الخارجية.
2. رفض الوصاية الخارجية:
• على الشعب السوري أن يعلن بشكل قاطع رفضه لأي تدخل دولي أو إقليمي يهدف إلى فرض أجندات سياسية لا تتماشى مع طموحاته الوطنية.
3. بناء مشروع وطني:
• لا يمكن للثورة أن تحقق أهدافها دون رؤية وطنية واضحة تعمل على إعادة بناء سوريا على أساس العدالة والمساواة، بعيدًا عن أي إملاءات خارجية.
4. إدارة التوقعات الشعبية:
• يجب توعية الشعب بأن الثورة ليست حلًا سريعًا لكل الأزمات، بل هي مشروع طويل الأمد لتحقيق التغيير الحقيقي.
رسالة أخيرة
الثورة السورية ليست مجرد انتفاضة على نظام مستبد، بل هي معركة مستمرة للحفاظ على الكرامة والحرية. حماية هذه الثورة تتطلب وعيًا عميقًا بالأخطار التي تهددها من الداخل والخارج، وإصرارًا على رفض كل محاولات الإجهاض أو الالتفاف عليها.
السوريون وحدهم من يملكون الحق في تقرير مستقبلهم، وأي محاولة لفرض الوصاية عليهم، سواء من الداخل أو الخارج، هي تعدٍّ على سيادتهم وتضحياتهم. الثورة ليست للبيع، ولن تسقط بإرادة من يسعون لإعادتها إلى الوراء.