مقال الأستاذ نبيل الدريوش: ترامب في البيت الأبيض: التأثير على المغرب العربي

هيئة التحرير
Published 8 أشهر ago on 4 فبراير, 2025-29 views
مقال الأستاذ نبيل الدريوش: ترامب في البيت الأبيض: التأثير على المغرب العربي

ترجمة لمقال الأستاذ نبيل الدريوش المصدر

منذ وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، دشّن دونالد ترامب مرحلة جديدة في العلاقات الدولية. تقوم وزارات الخارجية حول العالم بتحليل تصريحاته واستراتيجياته لتكييف تواصلها ودبلوماسيتها مع أسلوبه، المعروف بكونه رجل أعمال، وهي سمة تُعرّف نهجه السياسي.

عودة ترامب إلى السلطة قد تكون لها تداعيات عالمية، بما في ذلك تأثير كبير على منطقة المغرب العربي، التي تواجه واقعًا مختلفًا عما كانت عليه قبل أربع سنوات. من أبرز قراراته كان الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، مما غيّر بشكل جذري التوازن الجيوسياسي في المنطقة ومنح المغرب فرصة فريدة لحل نزاع إقليمي طويل الأمد.

في السنوات الأخيرة، استثمر المغرب قرار ترامب لتعزيز دعمه السياسي والدبلوماسي لخطة الحكم الذاتي للصحراء. هذا النهج ضمن له دعم دول رئيسية مثل إسبانيا، ألمانيا، وفرنسا، بينما ردت الجزائر، المعارضة القوية لهذا الموقف، بسياسة تصعيدية. أدت الاستراتيجية الجزائرية إلى توترات دبلوماسية مع إسبانيا وفرنسا، بالإضافة إلى علاقاتها المتدهورة مع الإمارات العربية المتحدة، مالي، موريتانيا، وحتى روسيا بسبب وجود مجموعة فاغنر في الأراضي المالية.

شهدت تركيبة المغرب العربي تحولًا ملحوظًا، مع تشكيل تحالفات جديدة مثل محور المغرب-موريتانيا-السنغال، مقابل تحالف الجزائر-تونس. أما ليبيا، فقد أصبحت ساحة للتنافس السياسي والدبلوماسي بين الجزائر والمغرب. دور الرباط الوسيط في المصالحة الوطنية الليبية أثار حفيظة الجزائر، التي حاولت عرقلة العملية، مما أضعف الاتفاقات المبرمة في الصخيرات وزرع الانقسام في البلاد. في كل مرة يحقق فيها المغرب تقدمًا في المصالحة الليبية، تُسمع احتجاجات الجزائر على بُعد عدة كيلومترات.

من منظور الرباط، يُنظر إلى عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة كفرصة جديدة لإنهاء نزاع الصحراء بشكل نهائي. خلال أيامه الأخيرة في المنصب، اتخذ ترامب قرارات حاسمة، مثل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، لكن العديد من وعوده لم تتحقق في ظل إدارة جو بايدن. من بينها، فتح قنصلية أمريكية في الصحراء، وهي خطوة رمزية ذات أهمية كبيرة لم تتحقق بعد، ولا يزال المغرب ينتظرها.

تتزامن عودة ترامب أيضًا مع تولي ماركو روبيو منصب وزير الخارجية، وهو سياسي مقرب من المغرب وملم بتعقيدات نزاع الصحراء والتوترات بين الرباط والجزائر. قد يفيد هذا التقارب المغرب، الذي حافظ على علاقات جيدة مع قطاعات من المؤسسة الأمريكية. ليس من قبيل الصدفة أنه بعد تنصيب ترامب، قامت وكالة المخابرات المركزية بتحديث خريطة المغرب لتشمل أراضي الصحراء، وهي خطوة فُسرت على أنها دعم ضمني للموقف المغربي. كما ينتظر في الرباط باهتمام احتمال تعيين ديفيد ت. فيشر سفيرًا أمريكيًا في المغرب. فيشر شغل هذا المنصب خلال إدارة ترامب.

يواجه النظام السياسي-العسكري في الجزائر مفترق طرق تاريخي. الأزمات الدبلوماسية الأخيرة والاستياء المتزايد بين الشباب الجزائري، الذي يتجلى في حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أبرزت حدود نظام استخدم النزاعات الإقليمية مع المغرب كستار دخان للتغطية على فشل مشروع ما بعد الاستقلال. ومع ذلك، فإن الإنجازات الدبلوماسية للمغرب، خاصة فيما يتعلق بنزاع الصحراء، أضعفت إحدى أدوات الضغط الرئيسية للجزائر على جارتها.

على الرغم من هذا السياق المعاكس، لن تكون استراتيجية المغرب خالية من التحديات، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة. تبدو الجزائر وكأنها تستكشف مسارًا جديدًا في علاقتها مع واشنطن، مستهدفة سوق الأسلحة الأمريكية. إشارة إلى هذه النية كانت اللقاء بين الرئيس عبد المجيد تبون والجنرال مايكل لانجلي، قائد القوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، بعد أربعة أيام فقط من تنصيب ترامب. انتهى هذا اللقاء بتوقيع مذكرة تفاهم في مجال الدفاع، مما يفتح الباب أمام عقود أسلحة مستقبلية بين الجزائر والولايات المتحدة.

رهان الجزائر على توثيق العلاقات مع قطاع الدفاع الأمريكي يهدف ليس فقط إلى تنويع ترسانتها العسكرية، ولكن أيضًا إلى إنشاء جماعات ضغط داخل الإدارة الأمريكية يمكنها مواجهة التقدم الدبلوماسي للمغرب. في هذا السياق، ستسعى الجزائر إلى عرقلة جهود الرباط لحل نزاع الصحراء وتعزيز موقفها الدولي.

يطرح هذا المشهد توازنًا دقيقًا في المنطقة، حيث ستستمر التحركات الدبلوماسية والاستراتيجية لكلا البلدين في تحديد نبض منافسة تتجاوز الحدود وتضم أطرافًا رئيسية على الساحة العالمية.

نبيل دريوش كاتب وصحفي.

Breaking News
error: Content is protected !!