عُقدت القمة العربية وسط مشهد إقليمي متشابك، يحمل في طياته تطورات سياسية وعسكرية تهدد الاستقرار العربي. وبينما كان يُنتظر أن تخرج القمة بمواقف سياسية أكثر صرامة، جاءت النتائج بمزيج من الرؤى التقليدية والحلول الاقتصادية التفصيلية، التي تمثلت في “الخطة المصرية” المعتمدة. فما الذي تحمله هذه الخطة؟ وما تداعياتها المستقبلية؟
أولًا: قراءة في الخطة المصرية
تضمنت الخطة المصرية التي اعتمدتها القمة 91 صفحة، وهي بطابعها العام خطة إعادة إعمار شاملة أكثر منها خطة سياسية، مما يعكس تأثير التوجهات العقارية والبنية التحتية على مخرجات القمة. أما في الجانب السياسي، فقد اكتفت بتكرار ما جاء في “المبادرة العربية” لعام 2002، مؤكدة على حل الدولتين وفق حدود 1967، وهو ما يواجه معضلة أساسية، حيث باتت “إسرائيل” تعتبر هذا الطرح جزءًا من الماضي.
ثانيًا: موقف الاحتلال الإسرائيلي من الخطة
لم يعد الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع الحلول السياسية بنفس المنهج السابق، حيث صوّت الكنيست الإسرائيلي بالإجماع على رفض إقامة دولة فلسطينية، مما يعكس انحراف السياسات الإسرائيلية نحو الضمّ المباشر للأراضي الفلسطينية. وبينما يتحدث نتنياهو وعصبته عن تصفية القضية، يذهب الاحتلال أبعد من ذلك إلى فرض وقائع جديدة في سوريا ولبنان، وتهديد أمن مصر والأردن القومي، متجاوزًا فلسطين كمجرد قضية مركزية للصراع العربي-الإسرائيلي.
ثالثًا: أين تقف المقاومة؟
لم تُوجه الخطة المصرية بشكل مباشر إلى حركة “حماس”، إذ لم تأتِ على ذكر سلاحها أو أي اشتراطات مباشرة لنزعه. بدلًا من ذلك، طرحت تشكيل لجنة غير فصائلية تدير الوضع لمدة ستة أشهر، وهو أمر لا ترفضه “حماس” ما دام يضمن الانسحاب الكامل وإعادة الإعمار. وبذلك، فإن الصدام الأساسي ليس مع المقاومة، بل مع الاحتلال والإدارة الأمريكية.
رابعًا: موقف السلطة الفلسطينية
يبدو محمود عباس مُحرجًا بقبوله الخطة، رغم إدراكه أن “فتح” في غزة موالية لخصمه دحلان، بينما “حماس” هناك تظل أكثر قوة وصلابة مقارنة بالضفة الغربية، حيث الوجود العسكري المباشر للاحتلال. ويضاف إلى ذلك، أن مسار عباس السياسي أصبح عبثيًا، مع تآكل شرعيته شعبيًا واقترابه من إكمال التسعين عامًا، مما يعني أن أي انتخابات حقيقية ستخرجه من المشهد.
خامسًا: التحولات الجديدة في المشهد العربي
واحدة من أبرز نتائج القمة، هي إظهار الاحتلال لدرجة غير مسبوقة من الازدراء تجاه الوضع العربي الرسمي. فلم يعد التهديد مقتصرًا على فلسطين وحدها، بل امتد إلى سوريا ولبنان، مع توجيه رسائل تهديد صريحة للأردن ومصر في أمنهما القومي. هذا التحول، رغم خطورته، قد يكون مفيدًا على المدى الطويل، حيث يسهم في دفن الأوهام القديمة، ويفرض على الدول العربية مواجهة الحقائق بطريقة أكثر واقعية.
خاتمة:
القمة العربية أفرزت واقعًا جديدًا يعكس انتقال الصراع من مجرد قضية فلسطينية إلى معادلة إقليمية أوسع. وبينما تبقى الحلول المطروحة في إطار التقليدية، فإن التحولات الميدانية تفرض ضرورة إعادة تقييم السياسات العربية لمواجهة الاحتلال بمنطق جديد، لا يقوم على الأوهام، بل على معطيات الواقع الحادّة.