برلين، 16 فبراير 2025 – قبل أسبوع من الانتخابات الفيدرالية الحاسمة في ألمانيا، اجتمع أربعة من أبرز المرشحين لمنصب المستشارية في مناظرة تلفزيونية مثيرة، شهدت تبادلات حادة ونقاشات ساخنة حول القضايا الأساسية التي تشغل الناخبين. في مواجهة استمرت ساعتين، وقف أولاف شولتس (الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، فريدريش ميرتس (الاتحاد الديمقراطي المسيحي)، أليس فايدل (حزب البديل من أجل ألمانيا) وروبرت هابيك (حزب الخضر) أمام عدسات الكاميرا، في محاولة لكسب تأييد الناخبين المترددين.
الهجرة: القضية التي لا تغيب عن المشهد
بدأت المناظرة مباشرة بموضوع الهجرة، حيث تساءل المذيع المخضرم غونتر ياوخ عن فشل الحكومة الألمانية في تنفيذ عمليات ترحيل واسعة رغم وعود المستشار أولاف شولتس قبل ثلاث سنوات بتشديد سياسة الترحيل. شولتس دافع عن سياسات حكومته، مؤكداً أن عدد عمليات الترحيل زاد بنسبة 70%، لكنه أقر بأن الجهود “لا تزال غير كافية”.
غير أن فريدريش ميرتس كان له رأي آخر، إذ اعتبر أن “الإرادة السياسية غير موجودة”، متهمًا حكومة شولتس بالعجز عن إدارة هذا الملف. أما أليس فايدل، فقد انتهزت الفرصة للترويج لبرنامج حزبها المتشدد، متعهدة بوقف “الهجرة غير الشرعية” وترحيل “المجرمين وغير القانونيين” على الفور.
تصعيد بين فايدل وشولتس حول الماضي النازي
بعد دقائق من المناظرة، اشتعلت الأجواء عندما أشار شولتس إلى تصريحات سابقة لزعيم فخري في حزب البديل من أجل ألمانيا، ألكسندر غاولاند، الذي وصف حقبة هتلر والنازية بأنها مجرد “شائبة” في التاريخ الألماني. فايدل رفضت بشدة هذا الطرح، معتبرة أن حديث شولتس “تشويه متعمد” لحزبها ولملايين من ناخبيه، مضيفة: “يمكنكم إهانتي كما تشاؤون، لن يؤثر ذلك عليّ”.
الاقتصاد والطاقة: محور آخر من الصدامات
عند الحديث عن الاقتصاد، كانت فايدل الأكثر جرأة في مهاجمة سياسات الحكومة، محملة إياها مسؤولية إفلاس العديد من الشركات بسبب “أزمة الطاقة المصطنعة”. لكن شولتس لم يتأخر في الرد قائلاً: “أنا لا أسمع أي اقتراحات منكم، فقط كلام فارغ”.
أما حين انتقل النقاش إلى سياسة الطاقة، فقد واصلت فايدل هجومها، متهمة الحكومة بأنها جعلت الطاقة أكثر تكلفة بسبب التخلي عن الغاز الروسي. إلا أن روبرت هابيك، وزير الاقتصاد وحليف شولتس، ردّ بحدة: “تحياتنا إلى موسكو! أنتم تخضعون لبوتين، الذي غزا أوكرانيا”. ثم أضاف ساخراً: “يمكنكم الذهاب إليه وقول: ’قليل من القمع في الداخل مقبول، فلتكفّ أوكرانيا عن الشكوى‘”. في لحظة مفاجئة، ردّت فايدل بجملة مثيرة للجدل: “جي. دي. فانس يوافق على ذلك”، في إشارة إلى نائب الرئيس الأمريكي الذي كانت له تصريحات مثيرة عن الحرب الأوكرانية. هذه الجملة جعلت الجميع يلتزمون الصمت للحظات، بمن فيهم ياوخ نفسه، لكن لم يتم التطرق إليها مجددًا خلال المناظرة.
موقف فايدل تحت تدقيق الحقائق
أثناء البث، بدأت بعض وسائل الإعلام في التحقق من تصريحات فايدل. نتائج “فحص الحقائق” لم تكن في صالحها، حيث كشف تقرير لمجلة “شتيرن” أن بعض مزاعمها، مثل أن ألمانيا تمتلك “أعلى أسعار الطاقة في العالم”، غير صحيحة، كما أن ادعاءها بأن إرسال صواريخ “تاوروس” إلى أوكرانيا سيجعل ألمانيا طرفًا في الحرب لم يكن دقيقًا تمامًا.
الملف الدولي: هجوم على ترامب ودفاع عن أوروبا
مع اقتراب نهاية المناظرة، تحوّل النقاش إلى السياسة الخارجية. شولتس استغل الفرصة لانتقاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، محذرًا من أن أوروبا لا يمكن أن تُستبعد من أي مفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا. وقال شولتس: “نحن ننفق مليارات على اللاجئين، ونقدم ضمانات أمنية. لا توجد صفقة أمنية بدون أوروبا، سواء أحبّ ترامب ذلك أم لا”.
تحالف غير متوقع ضد فايدل
عندما زعمت فايدل أن تسليم الأسلحة الألمانية لأوكرانيا قد يؤدي إلى إرسال جنود ألمان إلى القتال، انقلب عليها كل من ميرتس وهابك. ميرتس، الذي كان أكثر هدوءًا طيلة الأمسية، قاطعها بغضب قائلاً: “هذا غير صحيح، هذه كذبة!”، بينما أضاف هابك: “لا أحد قال إننا سنرسل جنودًا ألمان إلى أوكرانيا، وهذا أمر غير مطروح على الإطلاق”.
أداء المرشحين: من كان الأكثر إقناعًا؟
من حيث الأداء، حافظ كل من شولتس وميرتس على نهجهما الحذر، حيث ركّزا على الهجوم المتبادل، لكن دون تصعيد كبير. ميرتس بدا مدركًا لحساسية علاقته مع حزب البديل، لذا حرص على توضيح أنه لن يتعاون معهم تحت أي ظرف.
في المقابل، تبنّت فايدل نهج المواجهة والهجوم، لكنها كانت أكثر ضعفًا عند مواجهتها بأسئلة محددة، حيث تجنّبت الإجابة على بعض الأسئلة المحرجة، مثل عدد أفراد الشرطة المطلوبين للسيطرة على الحدود. كما واجهت تدقيقًا شديدًا حول مصداقية تصريحاتها، مما جعلها تفقد جزءًا من مصداقيتها أمام المشاهدين.
أما روبرت هابيك، فقد بدا ضعيفًا في البداية، لكنه استعاد زخمه لاحقًا، خاصة في القضايا الاقتصادية، حيث دافع عن سياسة حكومته بثقة.
خاتمة: معركة لم تحسم بعد
هذه المناظرة كانت الفرصة الأخيرة للمرشحين قبل الانتخابات الحاسمة يوم 23 فبراير. أظهرت المواجهة أن السباق لا يزال مفتوحًا، حيث لا يوجد فائز واضح. فبينما حاول كل مرشح تعزيز موقعه، كشفت المناظرة عن انقسامات حادة بين الأحزاب، خاصة في ملفي الهجرة والسياسة الخارجية.
يبقى السؤال المطروح الآن: هل أثرت هذه المواجهة على توجهات الناخبين؟ الإجابة ستتضح بعد أيام قليلة، عندما يتوجه الألمان إلى صناديق الاقتراع لاتخاذ قرارهم بشأن مستقبل بلادهم.