الخطاب بين الغياب والحضور: صمت الحرم المكي وصوت الإمام الإيراني

هيئة التحرير
Published سنة واحدة ago on 5 أكتوبر, 2024-5 views
الخطاب بين الغياب والحضور: صمت الحرم المكي وصوت الإمام الإيراني

في خضم الأحداث الدامية التي تعصف بالمنطقة، وخاصة في غزة، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لأبشع أشكال القمع والعدوان، تبرز أسئلة ملحة حول مواقف القيادات الإسلامية والعربية. الحرم المكي، الذي لطالما كان منارة للأمة الإسلامية، ظل صامتًا في هذه اللحظة الحرجة، غائبًا عن دوره التاريخي في مواجهة الظلم والدفاع عن المسلمين. صمت الحرم، وهو رمز للعالم الإسلامي، لم يكن مجرد غياب صوت، بل كان بمثابة رسالة إلى العالم بأن القضايا العادلة لم تعد أولوية لبعض من يتربعون على عروش هذه الأمة.

في المقابل، وفي غياب هذا الصوت الجليل، خرج الإمام علي خامنئي ليملأ هذا الفراغ، مخاطبًا الأمة الإسلامية والعربية بلغة عربية فصيحة، موجهًا خطابه إلى الفلسطينيين واللبنانيين وكل الشعوب التي تتابع بشغف ما يجري من حولها. لم يكن هذا الخطاب مجرد كلمات تُلقى في الهواء، بل كان تعبيرًا عن موقف سياسي واضح في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن المظلومين في وقت تصمت فيه أصوات كثيرة.

في هذه الأثناء، نجد أن الأنظمة العربية، التي يفترض بها أن تكون في طليعة المدافعين عن القضايا العادلة، تقف إما في حالة صمت مطبق أو تتخذ مواقف تتماهى بشكل غير معلن مع القوى التي تدعم العدوان. الأسوأ من ذلك هو محاولات بعض الأنظمة حرف الأنظار عن جوهر الصراع، عبر التركيز على الانقسامات المذهبية وتوجيه أصابع الاتهام إلى إيران والشيعة، بينما يدعمون في الخفاء مصالح القوى التي تسعى إلى استمرار الفوضى والاحتلال في المنطقة.

إن ما نراه اليوم هو تواطؤ صريح مع الاحتلال الإسرائيلي واستراتيجية تهدف إلى تمكينه من التمدد في المنطقة، بدءًا من فلسطين وصولاً إلى لبنان وسوريا. هذا التواطؤ يعيد إلى الأذهان أسلوب المغول في اجتياح المدن واحدة تلو الأخرى، مدمرين كل ما يعترض طريقهم. الفرق هنا أن المغول في التاريخ اجتاحوا مدنًا مقسمة وضعيفة، واليوم تُفتح الأبواب أمام العدو، ليس فقط بضعف الداخل، بل بتواطؤ وتنسيق بعض الأنظمة التي تتواطأ على حساب مستقبل شعوبها.

لا يمكن تجاهل أن هناك جيلًا كاملًا في العالم العربي اليوم قد استيقظ على وقع المجازر اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال. هذا الجيل، الذي شاهد تلك الفظائع بشكل يومي، لم يعد يصدق السرديات الرسمية التي تحاول تبرير الصمت والتواطؤ. بل إنه يدرك تمامًا أن الصراع الحقيقي هو بين من يسعون لتحرير الأرض ومن يسعون لحماية أنظمتهم ومصالحهم الشخصية.

إن القوى السنية التي انشغلت لعقود في صراعات مذهبية مع الشيعة، بدلاً من التركيز على العدو الحقيقي الذي يهدد الأمة بأسرها، تجد نفسها اليوم في موقف صعب. لو أنها أدركت منذ البداية أن الانخراط في صراع طائفي هو طريق إلى الهزيمة، لكانت اليوم في موقع أفضل للتصدي للتحديات الكبرى التي تواجه الأمة. لكن ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية لتلك السياسات التي زرعت الانقسام وساهمت في تفكيك المنطقة، في وقت كان فيه الأعداء يستغلون كل فرصة للتمدد.

إن اللحظة الراهنة تتطلب مراجعة شاملة لتلك السياسات، وإعادة توجيه البوصلة نحو وحدة الأمة، بعيدًا عن الانقسامات المذهبية والطائفية التي لم تجلب سوى الدمار. فإذا استمر التواطؤ والصمت، فإن ما نراه اليوم في غزة وسوريا ولبنان قد يمتد إلى باقي أجزاء العالم العربي، حيث لن يكون هناك من ينجو من عواقب هذا التخاذل.

في النهاية، يمكن القول إن خطاب الإمام خامنئي لم يكن مجرد رسالة سياسية، بل كان دعوة لإعادة ترتيب الأولويات في مواجهة الصراع الأكبر الذي يهدد الأمة. وفي المقابل، فإن صمت الأنظمة العربية السنية يجب أن يكون درسًا تاريخيًا لمن يعتبر، فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا يغفر لمن يضع مصلحته فوق مصلحة الأمة.

Breaking News
error: Content is protected !!