التدخل الصهيوني والثورة السورية: قراءة تحليلية في مسار الصراع وآفاقه

هيئة التحرير
Published 10 أشهر ago on 10 ديسمبر, 2024-3 views
التدخل الصهيوني والثورة السورية: قراءة تحليلية في مسار الصراع وآفاقه

شهدت سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011 سلسلة من الأحداث المتشابكة التي كشفت عن عمق التداخل بين الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية في هذا الصراع. من جهة، حملت “الثورة السورية” أهدافًا نبيلة تتعلق بإسقاط نظام الأسد المستبد وإعادة بناء الدولة على أسس الحرية والعدالة. ومن جهة أخرى، فتحت هذه التحركات الباب لتدخلات إقليمية ودولية، أبرزها التدخل الصهيوني، الذي أعاد تشكيل المشهد السوري بشكل عميق.

خرق اتفاق فض الاشتباك (1974):

أولى ملامح التدخل الصهيوني تمثلت في خرق حدود اتفاق فض الاشتباك الموقع مع نظام الأسد عام 1974. استغل الكيان الصهيوني حالة الفوضى في سوريا لتحقيق مكاسب جيوسياسية، حيث اجتاح مساحات واسعة من الأراضي السورية وصلت إلى حدود منتصف مساحة لبنان. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء عسكري، بل كانت بداية لاستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة صياغة ميزان القوى في المنطقة.

استراتيجية الهجمات الجوية:

نفذ الكيان الصهيوني أكثر من 500 غارة على أهداف استراتيجية داخل سوريا، شملت:

• تدمير البنية التحتية العسكرية:

مثل مراكز الدفاع الجوي، والرادارات، ومستودعات الأسلحة، بما في ذلك الطائرات الحربية والصواريخ الباليستية.

• استهداف البحوث والمواقع العلمية:

لضمان عدم استغلالها لتطوير تقنيات عسكرية يمكن أن تشكل تهديدًا مستقبليًا.

• استهداف المنشآت الأثرية:

وهو ما يثير تساؤلات عن دوافع أعمق من مجرد الاعتبارات الأمنية، ربما تتعلق بإضعاف الهوية السورية على المدى الطويل.

سياق داخلي معقد:

على الصعيد الداخلي، لعب النظام السوري دورًا محوريًا في تمهيد الطريق لهذه التدخلات. فبدلًا من احتواء مطالب الشعب والعمل على الإصلاح، اختار النظام القمع والتصعيد العسكري، مما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وتحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة للصراعات. هذا الضعف شجع القوى الخارجية، بما في ذلك الكيان الصهيوني، على استغلال الموقف لتحقيق مصالحها الخاصة.

البعد الإقليمي والدولي:

الثورة السورية لم تبق شأنًا داخليًا، بل أصبحت جزءًا من صراع إقليمي ودولي أوسع. الكيان الصهيوني، من خلال عملياته المكثفة، سعى إلى:

1. تحجيم النفوذ الإيراني:

من خلال استهداف مواقع حلفاء إيران في سوريا.

2. إضعاف المعارضة المسلحة:

عن طريق تدمير قدراتها العسكرية، خشية أن تتحول إلى تهديد مباشر.

3. إعادة صياغة الحدود الجيوسياسية:

بما يخدم مصالحه الأمنية ويضعف قدرات أي دولة قد تنشأ في سوريا ما بعد الأسد.

الآثار الاستراتيجية:

تدمير البنية التحتية السورية، سواء العسكرية أو العلمية أو التراثية، ترك سوريا في حالة ضعف غير مسبوقة. هذا التدمير الممنهج لا يهدد فقط السيادة السورية، بل يمتد ليشكل خطرًا على استقرار المنطقة بأكملها. كما أن استنزاف موارد سوريا وبنيتها أدى إلى تعقيد مستقبل أي حل سياسي محتمل.

استنتاج:

ما بدأ كثورة شعبية بهدف تحقيق الحرية والعدالة تحول إلى صراع دولي معقد يعيد تشكيل خريطة المنطقة. التدخل الصهيوني كان أحد العوامل التي زادت من تعقيد هذا المشهد، إذ أظهر بوضوح أن المصالح الدولية غالبًا ما تتجاوز الأهداف الوطنية.

يبقى التحدي الأكبر للشعب السوري هو استعادة زمام المبادرة في مواجهة هذا الكم الهائل من التدخلات، وخلق رؤية وطنية جامعة تتجاوز الانقسامات وتعيد بناء الدولة على أسس جديدة. فهل يمكن للسوريين تحقيق هذا الهدف وسط استمرار التدخلات الخارجية وصراع المصالح؟

Breaking News
error: Content is protected !!