نيويورك – 23 سبتمبر 2025 | عرب 24
موجة جديدة من الاعترافات الدولية
شهدت الأمم المتحدة في نيويورك خلال عطلة نهاية الأسبوع تطوراً لافتاً في ملف الاعتراف بفلسطين كدولة. فقد أعلنت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي، ولحقت بها فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وأندورا وسان مارينو وموناكو يوم الاثنين. وبذلك ارتفع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين إلى 156 من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة.
التحول الأبرز هذه المرة أن دولاً من مجموعة السبع الصناعية، مثل بريطانيا وكندا وفرنسا، انضمت إلى قائمة الدول المعترفة. كما أن أربعة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن – روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا – باتوا في صف الاعتراف، بينما تواصل الولايات المتحدة وحدها رفضها.
ألمانيا تحت ضغط متزايد
موقف برلين يزداد عزلة. فقد صرح وزير الخارجية الألماني، نيرز فيدبول، بأن الاعتراف بدولة فلسطينية “يأتي فقط في نهاية عملية السلام”. غير أن هذه العملية غير موجودة عملياً منذ سنوات، وهو ما يجعل تصريحات الوزير محل انتقاد واسع.
الصحافة الألمانية، باستثناء وسائل إعلامية تابعة لمجموعة “أكسل شبرينغر”، بدأت تميل تدريجياً إلى دعم خيار الاعتراف. ومن غير المستبعد أن تتغير سياسة ألمانيا قريباً، خاصة مع الضغوط الداخلية والخارجية.
رمزية الاعتراف أم خطوة مؤثرة؟
رغم الترحيب المبدئي، يرى محللون فلسطينيون أن الاعترافات الجديدة قد تبقى رمزية إذا لم تُترجم إلى إجراءات عملية مثل وقف تصدير السلاح لإسرائيل أو فرض عقوبات اقتصادية. ففي يوم إعلان الاعترافات قُتل أكثر من 55 فلسطينياً في قطاع غزة جراء الغارات الإسرائيلية، ما دفع البعض إلى وصف الاعتراف بأنه “اعتراف بشبح” لدولة يجري تدمير أرضها وسكانها.
الأبعاد القانونية للاعتراف
من الناحية القانونية، لا تقوم الدولة فقط بالاعتراف الخارجي، لكن لهذه الخطوة تداعيات مهمة:
-
الاعتراف بفلسطين يعني أن الحرب الإسرائيلية على غزة والاحتلال في الضفة الغربية يمكن أن يُصنّفا كعدوان على دولة ذات سيادة.
-
فتح المجال أمام ملاحقات قضائية دولية استناداً إلى نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.
-
حظر استيراد منتجات المستوطنات أو الاستثمار فيها، باعتبارها جزءاً من “أراضٍ فلسطينية محتلة” لا مجرد “مناطق متنازع عليها”.
-
تقييد مشاركة مواطني الدول المعترفة في الجيش الإسرائيلي، حيث يمكن أن يُلاحقوا قانونياً كمتورطين في عدوان على دولة صديقة.
إسرائيل ترفض وتلوّح بالتصعيد
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الاعترافات بأنها “مكافأة للإرهاب”، مؤكداً أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية. وزراء في حكومته، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، دعوا إلى ضم الضفة الغربية رداً على الاعترافات. تصريحات أخرى في الكنيست تحدثت بوضوح عن جعل غزة “غير قابلة للحياة”، وهو ما يفسَّر كخطة تهجير قسري.
الدور الأوروبي
رغم الادعاءات المتكررة بأن الحل مرهون بالولايات المتحدة، تظل أوروبا شريكاً اقتصادياً رئيسياً لإسرائيل بحجم تبادل تجاري تجاوز 42 مليار يورو عام 2024. كما أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي مصدران مهمان للتكنولوجيا والاستثمارات والتعاون العسكري. وبذلك فإن الاتحاد الأوروبي يملك أوراق ضغط ملموسة، لكن حتى الآن لم تُستخدم إلا جزئياً.
نحو عزلة إسرائيلية متزايدة؟
مع استمرار موجة الاعترافات، يتشكل ضغط دبلوماسي قد يدفع إسرائيل إلى وضع مشابه لما عاشه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا خلال الثمانينيات، عندما أدى اتساع العزلة الدولية إلى فرض المقاطعات والعقوبات.
الخلاصة
الاعترافات الجديدة لا توقف القصف ولا تمنع القتل، لكنها تفتح مساراً قانونياً وسياسياً جديداً قد يغير طبيعة الصراع. السؤال المطروح الآن: إلى متى ستتمسك ألمانيا بموقفها المتحفظ في ظل اتساع دائرة الاعتراف؟