تحليل سياسي – 13 يونيو 2025
المقدمة:
في ليلة الجمعة، خرج الصراع الخفي بين إسرائيل وإيران إلى العلن، حين نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ضربات دقيقة على منشآت نووية ومراكز عسكرية داخل الأراضي الإيرانية. العملية التي وُصفت بأنها “جراحية واستباقية”، جاءت بعد أسابيع من التحذيرات الدولية بشأن تسارع البرنامج النووي الإيراني، وفشل المفاوضات مع واشنطن، وتراجع قدرة طهران على الردع الدفاعي.
لكن السؤال الأهم ليس “ماذا حدث؟”، بل “لماذا الآن؟” وماذا يعني هذا التطور لتوازن القوى في الشرق الأوسط، وللمعادلات الأمنية العالمية؟
أولاً: توقيت الضربة – قرار في لحظة استراتيجية فارقة
التقارير الاستخباراتية الغربية، وكذلك تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت تشير إلى أن إيران باتت تمتلك مخزوناً من اليورانيوم المخصب يسمح بإنتاج ما يصل إلى 9 رؤوس نووية خلال شهور قليلة. ومع إعلان طهران بناء منشأة جديدة للتخصيب وتوسيع قدراتها الصاروخية الدقيقة، رأت إسرائيل أن خيار “الانتظار” لم يعد مطروحاً.
التوقيت أيضاً ارتبط بظروف داخلية وخارجية متداخلة:
- الردع الإسرائيلي كان في ذروته: بعد نجاحه في تحييد منظومات الدفاع الجوي الإيرانية في 2024.
- حزب الله في أضعف حالاته: قُتل كبار قادته وخسرت الجماعة معظم صواريخها، مما عزل طهران إقليمياً.
- واشنطن غير حاسمة: الرئيس ترامب أعرب بوضوح عن فشل مفاوضاته مع إيران، مما أعطى إسرائيل ضوءاً أخضر ضمنياً للتحرك.
ثانياً: التحول في العقيدة الإسرائيلية – من الردع إلى الإجهاض الوقائي
الضربة تشير إلى تحوّل استراتيجي في سياسة إسرائيل: من مجرد منع التهديد إلى إجهاضه قبل أن يتبلور.
هذه العقيدة الجديدة تستند إلى مفاهيم مستحدثة في الأمن القومي الإسرائيلي:
- “لا أمن لإسرائيل في ظل نووي إيراني” – وهو مبدأ يعكس الرفض التام لأي صيغة “ردع نووي متبادل”.
- الهجوم كأداة تفاوض – إذ تراهن إسرائيل على أن الضربات قد تُجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقع أضعف.
- إعادة رسم الخطوط الحمراء الإقليمية – فالرسالة لم تكن فقط لطهران، بل أيضاً لموسكو، بكين، ولعواصم الخليج.
ثالثاً: إيران… ماذا بعد الضربة؟
إيران أمام خيارات محدودة، وكلها مُكلفة:
- رد مباشر عسكري: وهو احتمال ضعيف في ظل ضعف دفاعاتها الجوية والخوف من تصعيد شامل.
- رد غير مباشر عبر وكلاء: كاللجوء لميليشيات عراقية أو حوثية لاستهداف مصالح إسرائيلية أو أمريكية.
- تصعيد دبلوماسي – نووي: كتجميد التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو الانسحاب الرسمي من معاهدة عدم الانتشار (NPT).
ولكن الحقيقة المُرّة أمام النظام الإيراني: الضربة كشفت ثغرات استراتيجية في العمق الإيراني، ما قد يُضعف موقفه التفاوضي ويُغذي التوترات الداخلية.
رابعاً: الأثر الإقليمي والدولي
1. الشرق الأوسط: نحو سباق تسلح جديد؟
الضربة ستدفع بعض دول المنطقة، خاصة السعودية، إلى تسريع برامجها النووية المدنية ذات الاستخدام المزدوج. كما ستشجع بعض القوى الخليجية على تعزيز تعاونها الاستخباراتي والعسكري مع تل أبيب.
2. العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
واشنطن لم تُشارك في الضربة، لكنها لم تُدنها أيضاً. الموقف الأمريكي المتردد قد يُفسر كتنازل عن دور “الضامن”، ما يدفع حلفاء واشنطن إلى مزيد من الاستقلال الاستراتيجي.
3. روسيا والصين
كلا القوتين ستستغلان هذا التصعيد لتقديم إيران كضحية “للعدوان الغربي”، خاصة في سياق الصراع الأوكراني والتوترات في تايوان. لكن موسكو وبكين لا تملكان القدرة الفعلية لردع إسرائيل عسكرياً.
خاتمة: الشرق الأوسط يدخل مرحلة ما بعد الردع التقليدي
الهجوم الإسرائيلي على إيران لا يُعد مجرد عملية عسكرية، بل نقطة تحوّل في قواعد اللعبة الإقليمية. إسرائيل لم تعد تكتفي بالردع، بل باتت ترى في “الضربات الوقائية” الوسيلة الوحيدة لحماية أمنها القومي.
المعركة الآن لم تعد حول من يمتلك القوة، بل من يستطيع فرض معادلة جديدة دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
هل نجحت إسرائيل في فرض هذه المعادلة؟ أم أن إيران ستردّ بطريقة تُعيد إشعال المنطقة؟ الأيام القادمة وحدها تحمل الجواب.