برلين – 3 سبتمبر 2025 | عرب 24
في وقت يتصاعد فيه الغضب الدولي من جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة وما تسببه من مجاعة ودمار واسع، تتخذ ألمانيا موقفًا منفردًا داخل الاتحاد الأوروبي، إذ تواصل عرقلة أي مقترحات من المفوضية الأوروبية لفرض عقوبات أو تقييد التعاون العلمي والبحثي مع إسرائيل.
الموقف الذي عبر عنه وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول يثير تساؤلات جوهرية: هل هو ناتج عن سذاجة سياسية، أم عن سياسة متعمدة لحماية إسرائيل رغم التبعات الإنسانية والسياسية؟
الخلاف حول برنامج “هورايزن أوروبا”
المفوضية الأوروبية اقترحت أواخر يوليو 2025 استبعاد إسرائيل جزئيًا من برنامج “هورايزن أوروبا” للبحث والابتكار، استجابة لضغط أكثر من 180 منظمة دولية طالبت بوقف اتفاقية الشراكة مع إسرائيل بسبب انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي.
لكن الاقتراح اقتصر فقط على تعليق تمويل “المجلس الأوروبي للابتكار” (EIC)، الذي يدعم مشاريع بحثية في مجالات حساسة مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والأمن السيبراني، وهي تقنيات مزدوجة الاستخدام يمكن توظيفها عسكريًا.
ورغم محدودية هذا الإجراء، سقط الاقتراح في تصويت 29 يوليو بسبب معارضة ألمانيا وإيطاليا، لتستمر برلين في موقفها المعرقل حتى اليوم.
تبريرات فاديبول
وزير الخارجية الألماني قال في اجتماع بكوبنهاغن:
“تعليق التعاون في إطار برنامج هورايزن أوروبا لن يؤثر على قرارات إسرائيل السياسية أو العسكرية في غزة. لذلك لسنا مقتنعين بجدواه.”
وأضاف أن برلين قلصت صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، معتبرًا أن الضغط العسكري هو الأداة المناسبة، بينما التعاون العلمي “مفيد”.
لكن هذه التبريرات قوبلت بانتقادات واسعة، إذ رأى مراقبون أنها تتجاهل حقيقة أن العلم والجيش في إسرائيل متداخلان بشدة، وأن الأبحاث الممولة أوروبيًا تدعم صناعات عسكرية مرتبطة مباشرة بالانتهاكات في غزة.
أموال أوروبية هائلة لإسرائيل
برنامج “هورايزن أوروبا” يمثّل رئة أساسية للعلم والاقتصاد الإسرائيلي:
-
منذ 1996 حصلت إسرائيل على 3.4 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي.
-
هي أكبر مستفيد غير أوروبي من البرنامج.
-
وحده “المجلس الأوروبي للابتكار” مموّل بـ 10.1 مليار يورو.
-
منذ أكتوبر 2023 حصلت 348 شركة إسرائيلية ناشئة ومركز أبحاث على 475 مليون يورو، كثير منها يقوده ضباط سابقون في الجيش والمخابرات.
-
معهد “وايزمان” الإسرائيلي وحده حصل على أكثر من 500 مليون يورو من أموال الاتحاد، وهو شريك مباشر لشركات تصنيع أسلحة مثل “رافائيل” و”إلبيت سيستمز” و”الصناعات الجوية الإسرائيلية”.
حتى مسؤولون إسرائيليون، مثل دافيد هاريل رئيس الأكاديمية الوطنية للعلوم، اعترفوا أن تعليق تمويل “هورايزن” سيكون بمثابة “حكم بالإعدام” على البحث العلمي في إسرائيل.
ازدواجية المعايير الأوروبية
المفارقة أن فاديبول دعا في الاجتماع نفسه إلى زيادة الضغط على روسيا، وسبق أن طالب بتجديد العقوبات على إيران، بينما يرفض أي إجراء فعلي ضد إسرائيل. مراقبون وصفوا هذا الموقف بأنه نموذج صارخ لنفاق السياسة الخارجية الألمانية.
بلجيكا اتخذت مؤخرًا مسارًا مختلفًا بإعلانها اعترافًا رسميًا بدولة فلسطين وفرض عقوبات على إسرائيل، بينما تزداد عزلة ألمانيا داخل الاتحاد بسبب موقفها.
خاتمة
سلوك برلين، بحسب محللين، يمثل انحيازًا أعمى يتجاوز السياسة إلى التواطؤ، إذ لا يقتصر دعمها لإسرائيل على المجال الدبلوماسي والعسكري، بل يمتد ليشمل تمويل الأبحاث والتكنولوجيا التي تُستخدم في الحرب على غزة.
ومع تزايد الأصوات الأوروبية الداعية لمحاسبة إسرائيل، يبقى موقف ألمانيا عقبة رئيسية، يُنظر إليه اليوم على أنه وصمة أخلاقية وتاريخية في سجلها السياسي.