نيودلهي – 3 سبتمبر 2025 | عرب 24
في أول زيارة رسمية له إلى الهند، يسعى وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول إلى توثيق العلاقات الثنائية، تعزيز التعاون الاقتصادي، وجذب الكفاءات الهندية إلى سوق العمل الألماني. وتأتي الزيارة في وقت حساس، بعد أيام فقط من لقاء جمع رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، ما أثار تساؤلات حول توجهات السياسة الخارجية للهند.
رسالة سياسية وسط صور رمزية
ظهور مودي مبتسماً إلى جانب بوتين وشي في قمة تيانجين الصينية شكّل خلفية محرجة للزيارة الألمانية. فالهند تسعى إلى تنويع تحالفاتها، بينما تريد برلين أن تبرهن على نفسها كشريك موثوق في ظل تراجع العلاقات الهندية الأميركية.
واشنطن فرضت رسوماً جمركية إضافية بنسبة 25% على الصادرات الهندية، عقاباً لشراء نيودلهي النفط الروسي. هذه العقوبات، إلى جانب تصريحات هجومية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصته Truth Social، أضرت بالعلاقة التي كان مودي يصفها سابقاً بـ”الصداقة”.
لقاءات رفيعة المستوى
خلال زيارته، التقى فاديبول نظيره الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، كما حصل على لقاء مدته 30 دقيقة مع مودي نفسه، في إشارة إلى تقدير نيودلهي لألمانيا كشريك.
في مؤتمر صحفي مشترك، أكد فاديبول أن من حق الهند والصين تطوير علاقاتهما كما يشاءان، لكنه شدد على ضرورة الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد، خصوصاً في مواجهة ما وصفه بـ”سلوك الصين العدواني في منطقة الإندو-باسيفيك”.
وفي ما يتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا، قال الوزير الألماني إنه طلب من نيودلهي لعب دور أكبر في دعم السلام، مشيراً إلى أن شراء الهند النفط الروسي يعقد جهود العقوبات الأوروبية.
شراكة اقتصادية متنامية
الهند والاتحاد الأوروبي يقتربان من توقيع اتفاقية تجارة حرة قد تُنجز في خريف هذا العام، رغم استمرار الخلافات حول فتح الأسواق الزراعية. حالياً يبلغ حجم التبادل التجاري بين ألمانيا والهند 31 مليار يورو، مع رغبة مشتركة في مضاعفته خلال السنوات المقبلة.
في بنغالورو، “وادي السيليكون الهندي”، زار فاديبول مراكز أبحاث ومؤسسات ألمانية في مجالات السيارات والبرمجيات والفضاء. وأشاد بالمدينة باعتبارها “المركز التكنولوجي والابتكاري الأبرز”، قائلاً إن “في الهند تُصنع المستقبل، وألمانيا يجب أن تكون جزءاً منه”.
الهجرة والكفاءات
أحد محاور الزيارة كان جذب مزيد من الكفاءات الهندية إلى ألمانيا. فقد تضاعف عدد الهنود المقيمين في البلاد من 86 ألفاً عام 2015 إلى 280 ألفاً في 2025، بينهم أكثر من 60 ألف طالب جامعي، ما يجعلهم أكبر مجموعة طلابية أجنبية في الجامعات الألمانية.
ألمانيا وقّعت في أكتوبر 2024 “استراتيجية الكفاءات الهندية” واتفاقاً جديداً حول الهجرة والتنقل. فاديبول أوضح أن ألمانيا بحاجة ماسة إلى ممرضين، تقنيين، مهندسين وعلماء، معتبراً أن “الهند يمكن أن تسد هذه الفجوة”.
في معهد غوته ببنغالورو، التقى الوزير طلاباً يتعلمون الألمانية بغرض الدراسة أو العمل في ألمانيا. بعضهم تحدث عن عراقيل في الحصول على التأشيرات أو الاعتراف بالمؤهلات، لكن الحضور حصلوا على وعود مباشرة من السفير الألماني بتسريع الإجراءات.
برلين كبديل عن واشنطن
خلال زيارته، حاول فاديبول إبراز ألمانيا كشريك أكثر “موثوقية وهدوءاً” مقارنة بالولايات المتحدة. السفير الألماني في نيودلهي، فيليب آكرمان، كتب في صحيفة The Tribune أن “الألمان الشماليين يتصفون بالواقعية والتواضع”، في إشارة إلى أسلوب مغاير “لسياسة الضجيج الأميركي”.
وقال آكرمان إن ألمانيا تريد “أفضل العقول”، مضيفاً: “لا يهم ما يكتبونه على وسائل التواصل الاجتماعي، ما داموا أذكياء، مرنين وعمليين”. في المقابل، شددت الولايات المتحدة سياستها في منح التأشيرات وتفتيش حسابات المتقدمين على وسائل التواصل الاجتماعي.
خاتمة
في ظل الخلافات الأميركية – الهندية، تسعى ألمانيا لملء الفراغ عبر تقديم نفسها كشريك اقتصادي وتعليمي وعلمي بديل وأكثر استقراراً. لكن صور مودي مع بوتين وشي تبقى رسالة واضحة بأن الهند لن تربط نفسها حصراً بالغرب، بل تسعى إلى موازنة بين القوى الكبرى.